بطون قريش تعترض ما أن سمع عمر بن الخطاب جملة رسول الله هذه، حتى وقف محتجا: لا حاجة لنا بهذا الكتاب، (حسبنا كتاب الله) إن النبي قد غلب عليه الوجع، حسب الرواية الأولى والثالثة والسادسة، وحسب الرواية الثانية فقالوا: هجر رسول الله، وحسب الرواية الرابعة فقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه! وحسب الرواية الخامسة فقالوا: ما له أهجر؟
استفهموه.
من الذي قال إن النبي قد هجر - حاشا له - لا أحد في الدنيا كلها يجرؤ على مواجهة رسول الله بهذه الكلمة غير عمر، ولكن إشفاقا من الرواة لم يسندوا هذا القول لعمر، ومع هذا فقد ذكر صاحب تذكرة الخواص السبط بن الجوزي في صفحة 64 من تذكرته، وأبو حامد الغزالي في صفحة 21 من كتابه سر العالمين، أن عمر بن الخطاب هو وحده الذي قال: إن النبي يهجر.
4 - وانقسمت الأمة إلى فريقين بسبب جملة واحدة قالها رسول الله في بيته، قسم عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) الحاضرين إلى قسمين: القسم الأول وهم حزبه الذين جاءوا معه، وهم يعارضون بشدة أن يتكلم الرسول، أو أن يسمح له بكتابة أي شئ إطلاقا، وحجتهم أن المرض قد اشتد به أو غلبه الوجع أو أنه يهجر - حاشا له - وهذا الحزب متضامن بالكامل مع عمر بن الخطاب، ويعرف ما يريده تماما، ويبدو أن بينهم وبين عمر (رضي الله عنه) اتفاقا مسبقا، لأن كلمة عمر إن المرض قد اشتد بالرسول أو غلبه الوجع، أو أنه يهجر، أو (حسبنا كتاب الله) لا تكفي وحدها لخلق قناعة فورية للدخول بمواجهة علنية مع النبي، والأقرب إلى المنطق والعقل أن هنالك إعدادا مسبقا ومحكما لهذه المواجهة، بدليل قولهم: القول ما قال عمر.