وضعها قادة التاريخ، اعتقدوا أنها وحدة شرعية وحقيقية، وأن كافة الترتيبات التي بين أيديهم هي من صنع الله تعالى وحده، فتقبلوها على هذا الأساس، ودافعوا عنها على هذا الأساس، وأقاموا سورا بين العقل البشري وبين الولوج إلى حرمة هذه القناعات، مع أنها في أصلها وحقيقتها شائعات. ومن هذا الاعتقاد تكون نسيج عقيدتهم، وشاعت خلاصة نظرتهم.
5 - اختلاط الدين بالأشخاص من المسلمات أن ذات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي جزء من الدين، فيجب أن يتيقن المؤمن أن محمدا بالذات - وليس غيره - هو نبي الله ورسوله، وأن طاعته هي طاعة لله، ومعصيته هي معصية لله، فالقناعة بذلك هي جزء لا يتجزأ من دين الله، وتقرأ هذه القناعة مع الدين، وهي منبثة في كل نصوصه.
ونتيجة لترك بعض الترتيبات الإلهية، ووضع ترتيبات بديلة، لتسد محلها، أشيع في ما بعد أن الذين وضعوا هذه الترتيبات البديلة هم أيضا جزء من الدين، ويقرأ هذا الجزء مع الدين نفسه، وحجتهم في ذلك أن القول بغير ذلك سوء ظن بأولئك الذين قادوا التاريخ السياسي بعد وفاة النبي، وصنعوا وحققوا الانتصارات والأمجاد، وفتحوا الممالك والبلدان بفترة زمنية قصيرة، معتقدين أن سر العظمة بهؤلاء القادة، لا بدين الإسلام وحده، وكيف لا وقد صحبوا النبي، وكانوا خلفاءه والقائمين مقامه، وقد وحدوا الأمة طوعا وكرها، ونقلوا لنا الدين نفسه، وبلغونا أحكامه، فهم عدول، لا يجوز عليهم تعمد الشر، ومن الواجب الاقتداء بهم، فعملهم سنة، ولكل واحد منهم سنة قولية وفعلية وتقريرية عند عدم وجود النص، راجع الباب الأول من كتابنا نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام تجد توثيق ذلك.
وهكذا اختلط الدين بالأشخاص اختلاطا كاملا، وقلت الفوارق بين ما وصفه الخالق، وما ابتدعه المخلوق، وحشر الاثنان على صعيد واحد، وقرءا معا!