يناقض - كما قلنا - كمال الدين وتمام النعمة خاصة، وأن الرسول قد خير فاختار الموت، ومرض قبل الموت، وأوحي إليه أنه ميت في مرضه ذلك، وأن الله قد قذف في قلبه محبة هذه الأمة، وجعله (بالمؤمنين رؤوف رحيم) وأطلعه على مستقبل هذه الأمة، فهل من الممكن عقلا أن يموت الرسول دون أن يبين للناس من يخلفه من بعده؟!
هذا أمر غير وارد قطعا تدحضه النصوص الشرعية القاطعة، وتكذبه!! راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام صفحة 35 وما فوق.
وفي الشرائع الوضعية لا علم لي أن دستورا مكتوبا أو عرفيا لم ينص على من يتولى السلطات في حالة غياب رئيس الدولة أو موته، ولا علم لي على الإطلاق أن رئيسا قد مات دون أن يكون معروفا من سيخلفه!! راجع صفحة 42 من كتابنا النظام السياسي، وراجع باب القيادة السياسية من كتابنا نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام.
17 - إذا كانت إشاعة الترك صحيحة فهي سنة إذا كانت إشاعة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك أمته بدون راع، وترك القرآن الذي أنزل الله عليه دون جمع ودون مبين، أو بتعبير آخر (إذا كان الرسول قد خلى على الناس أمرهم) كما يقال فمعنى ذلك أن فعل الرسول هذا سنة فعلية واجبة الاتباع، لماذا؟ لأن الرسول قدوة بالنص الشرعي، ولأن طاعته هي طاعة الله، ومعصيته هي معصية الله، ولأنه من جهة أخرى هو الأعلم إطلاقا والأفهم بالمقاصد الإلهية من تنزيل الرسالة!
18 - من هو الذي اتبع هذه السنة الفعلية؟
لو استعرضنا التاريخ السياسي الإسلامي لعهد ما بعد النبوة، ومن اليوم الذي تولى فيه أبو بكر (رضي الله عنه) ولاية المسلمين إلى اليوم الذي سقط فيه آخر سلاطين بني عثمان، لم نجد على الإطلاق أن أي واحد من الخلفاء قد اتبع هذه السنة فترك الأمة بدون راع أو خلى على الناس أمرهم!