أهل المدينة ويتركهم في ذهول مطبق، الآل الكرام والعترة الطاهرة مشغولة بمصيبتها ذاهلة عن نفسها.
كل شئ رتبته العناية الإلهية، الدين مكتمل، والنعمة تامة، لم العجلة يا سيدي يا بن الخطاب؟ قف بجانب الجثمان الطاهر، وقدم معذرة أي معذرة، قل بملء فيك:
استغفر لي يا نبي الله، ها هو الكتف، كلنا آذان صاغية، أكتب لنا الكتاب الذي أردت، الكتاب الذي لن نضل بعده أبدا!!
لم العجلة!!! نودع حبيبنا ونبينا ومولانا، ثم نجلس سوية ومعنا الثقلان كتاب الله وعترة نبيه، ولقد سبقت كلمة الله للذين آمنوا أنهم لن يضلوا إن تمسكوا بالثقلين!!!
كل شئ حزين وساكن، لقد ركع الألم كل مسلم، وجمدت كل حركة، إلا ابن الخطاب (رضي الله عنه)، فقد حمل حزنه، واتبعه من والاه، وبدأوا بوضع الترتيبات الجديدة لعهد ما بعد النبوة.
14 - الإشاعة التي تحولت إلى قناعة في لحظات الألم الماحق تكثر الشائعات، وتروج التقولات، وقد أشيع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك أمته ولا راعي لها من بعده، وترك دينه، وترك كتاب الله دون مبين، ثم توسعت الإشاعة في ما بعد، فزعمت أن رسول الله لم يجمع حتى القرآن وتركه متفرقا في صدور الرجال!!
وأمام سرعة انتشار شائعة أن رسول الله ترك أمته بغير راع، نهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وقاد زمام المبادرة، وقام بدور الهيئة التأسيسية لترتيب عهد ما بعد النبوة، حتى يتدارك إشاعة أن رسول الله ترك أمته بغير راع في هذا الظرف الدقيق، فكان همه منصبا بالدرجة الأولى والأخيرة على تنصيب الراعي الذي يرعى الأمة بعد موت النبي، ومع أن القول بأن رسول الله ترك أمته بدون راع، وترك القرآن بدون جمع وبدون مبين، هذا القول مجرد إشاعة، إلا أنه تحول بفعل وسائل إعلام الدولة إلى قناعة آمنت بها عامة الشعب، وحملت بخيلها ورجلها على من يقول بغيرها.