6 - مخاطر الظن والتخمين يستقيم أمر العباد ما دام المرجع الذي يبين أحكام المنظومة الحقوقية الإلهية بيانا قائما على الجزم واليقين موجودا، ومتاحة أمامه الفرصة لممارسة مهام البيان والقيادة معا، فإذا حيل بين هذا المرجع وبين ممارسة مهامه في البيان والقيادة، فإن حبل المنظومة الحقوقية الإلهية يهتز، ويتعذر عليها أن تقوم بدورها على الوجه الأكمل، لسبب بسيط أنها لا تستطيع أن تحلق بجناح واحد، ولأن استبعاد الإمام المختص ببيان الأحكام بيانا قائما على الجزم واليقين، يعني كسر جناح المنظومة الحقوقية الإلهية، وإجبارها على التحليق بجناح واحد.
عملية استبعاد الإمام المختص إلهيا ببيان الأحكام جريمة، وعملية تعطيل الشريعة الإلهية جريمة أيضا، فإذا جمعوا الجريمتين معا فإن سعيهم سيكشف، ولا يمكن الدفاع عنه، فاستبعاد الإمام المختص إلهيا عملية يمكن تغطيتها بالقول بأن المصلحة اقتضت ذلك، والمصلحة العامة كلمة مطاطة، ويمكن تمريرها على العامة، وقوة الغالب قادرة على قمع الخاصة، أما تعطيل الشريعة فعملية مكشوفة تماما.
ولمعالجة هذه الحالة صار الغالب هو المرجع، وهو المختص ببيان الأحكام، وبما أن الحاكم الغالب غير مؤهل، فإنه يجمع حوله طائفة من العلماء، ويخولهم صلاحية بيان الأحكام، فيخرج كل واحد منهم برأي وفهم، ومعنى، ومقصد، فيختار الحاكم الغالب، الفهم، والمعنى، والمقصد الذي يريد، ويتوغل أصحاب الأفهام في صفوف العامة، ويزعم كل صاحب فهم أن فهمه هو الأصوب، ويستقطب كل صاحب فهم طائفة، ثم تتحول الطوائف إلى أحزاب وشيع، كل حزب بما لديهم فرحون، وتتفرق الأمة داخليا، وتشتت، ويذهب ريحها، وتتحول إلى حقل تجارب لعنعنات الأحزاب، ومكر قادتها، وتخرج طائعة من يسر الجزم واليقين إلى عسر الفرض والتخمين، ومن سعة اليقين إلى ضيق الشك، وتتعطل عمليا أحكام المنظومة الحقوقية الإلهية، وتتصور