ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار، والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها، ورووها، وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها، ولا تدينوا بها. فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي، فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض. راجع المجلد الثالث شرح النهج لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد صفحة 596 وقد نقله عن المدائني.
20 - تفاقم الأمر ويضيف بن أبي الحديد نقلا عن المدائني: ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين وولي عبد الملك بن مروان، فاشتد البلاء على الشيعة، وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي! وموالاة أعدائه، وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضا من أعدائه، فأكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي، وعيبه، والطعن فيه، والشنآن له حتى أن إنسانا وقف للحجاج - ويقال أنه جد الأصمعي، عبد الملك بن قريب - فصاح به: أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني عليا، وإني فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج وقال: للطف ما توسلت به قد وليتك كذا! راجع المجلد 3 صفحة 596 من شرح النهج، وقد نقل ذلك عن المدائني.
وتابع ابن أبي الحديد قائلا: وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه، وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم، في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم. راجع المجلد 3 صفحة 597 من شرح النهج.