ونفذت بدقة تعليمات الصديق ووصيته، ولم ينقسم الحاضرون عنده إلى قسمين، بل كانوا كتلة واحدة خلفه وفي حضرته كأنهم بنيان مرصوص، لا يعلو على صوت الصديق صوت، إمعانا باحترامه، وإجلالا له!!!
مع أن الصديق ليس أكثر من صحابي جليل، ومن حاكم عادل، ولم يصل إلى درجة النبوة، ولا قال أحد أنه قد وصل إلى هذه الدرجة!!
كذلك فإن المرض قد اشتد بعمر (رضي الله عنه) أكثر مما اشتد برسول الله مرضه، وتكلم عمر وأصغى له المسلمون بإجلال ولم ينقسموا بين يديه، ونفذوا كلامه، وأوصى، ونفذوا وصيته، وتحدث أثناء مرضه ما شاء أن يتحدث، ولم يحل بينه وبين أن يقول ما يشاء حائل، ولم يقل له أحد قط إن الفاروق (رضي الله عنه) هجر أو يهجر، مع أن الفاروق ليس أبدا أكثر من صحابي جليل ومن حاكم عادل!!
إن هذا لشئ عجاب!!
19 - القرآن وحده يكفي ولا حاجة لوصية النبي وقوله هذه التصورات المهزوزة عن ذات النبي جمحت بالمسلمين، فجنحت بهم عن الطريق، فركبوها، وأرخوا لها العنان، فأدخلتهم بليل الغموض والتيه، وآفاق الهوى، فتصوروا أن بإمكانهم أن يدركوا الرشد بدون نبي وبالقرآن وحده، وتصوروا أن بإمكانهم أن يهتدوا، وأن لا يضلوا إذا تمسكوا بالقرآن وحده، بمعنى أن دور النبي محدود، وثانوي جدا.
كانت هذه التصورات وساوس خفية في الصدور، وأفصحت عن ذاتها في مرض النبي، وبرزت سافرة وبدون ستر، وتبين أن لهذه التصورات أنصارا وأعوانا، وأخيرا واجه أصحاب هذه التصورات النبي نفسه، وانتصروا، وانتصرت تصوراتهم.
وآية ذلك وبرهانه:
1 - جاء في صحيح البخاري كتاب المرضى - باب قول المريض: قوموا عني مجلد 7 صفحة 9 دار الفكر، وجاء في صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية مجلد 5