والخليفة الشرعي المغلوب على أمره يفهم المنظومة، ولكنه لا يستطيع أن يطبق هذا الفهم.
كل هذا أدى لوقوع خلل بدأ بسيطا ثم أخذ يستفحل حتى عصف بالأمة طوال تاريخها، وعصف بالمنظومة الحقوقية الإلهية نفسها، ففهمتها الأمم الأخرى على غير حقيقتها.
ومع الأيام تداعت صلة المنظومة الحقوقية الإلهية بمؤسسة الخلافة أو الإمامة، فأصبحت الإمامة تقرأ وحدها، والخلافة وحدها، والمنظومة وحدها! وأصبحت الخلافة حقا خالصا لمن غلب وأحسن التخطيط والتدبير بالخفاء، فكثر الطامعون بالخلافة، وتحولت عملية الاستيلاء على الخلافة إلى مشكلة مستعصية الحل صارت هي الأصل لكل بلاء، والشرارة لكل حرب أو فتنة، فأصبحت هذه المشكلة سنة، فطالما أن الآباء اجتهدوا بالخروج على الشرعية وترك النص الصريح، والاجتهاد مع وجوده، وطالما أن الآباء لم يلتزموا بموالاة أهل البيت وهم القاسم المشترك، وأنفوا من القبول بحكمهم ورئاستهم للدولة، فكيف نطلب من الأبناء أن يخالفوا سنة آبائهم؟!
52 - قانون الغلبة أبو بكر (رضي الله عنه) لم ينل الخلافة بسبب صفاته الشخصية الحميدة فحسب أو لأنه من المبشرين بالجنة، أو لأنه كبير السن... إلخ. إنما أصبح خليفة لأنه تعاون مع عمر ومع البطون، وخططوا وأحسنوا التخطيط وحققوا الغلبة. كذلك فإن عمر نصب خليفة لأنه شريك الغالب ولأن قائد الحزب الغالب قد عينه وعهد إليه. كذلك عثمان رضي الله عنهم أجمعين أصبح خليفة لأن الغالب قد عهد إليه. كذلك حكم الأمويون لأنهم غلبوا، ثم حكم العباسيون لأنهم غلبوا أيضا، ثم حكم العثمانيون لأنهم غلبوا، ثم تحولت الأقاليم إلى دول بعد سقوط نظام الخلافة، وتغلبت كل فئة على إقليم فحكمته، فالرئاسة أو الخلافة أصبحت حقا لمن غلب. ولو نفذت الترتيبات الإلهية وحصرت رئاسة الدولة بعمادة أهل بيت النبوة لما اختلف اثنان على حد تعبير سلمان الفارسي،