السلطة كل مركب وتجاهلت الآل الكرام تجاهلا تاما، وتجاهلت الأحاديث النبوية ولجأت إلى الاجتهاد مع وجود النص، وقلبت الأمور على هدى رأيها، وأوشكت أن تنقض الدين من أساسه، وأن تطمس أحكام الإسلام من بعد ما بانت، ومرة أخرى يتصدى الهاشميون بقيادة علي بن أبي طالب لهذا الانقلاب وضمن إمكانياتهم، ويدافعون عن أحكام هذا الدين ومستقبله، ويتحملون شنآن العرب، وتكاليف غضب السلطة، دفاعا عن الإسلام وأحكامه، وتلك فضيلة ثانية لم تنلها فئة من العالمين غيرهم. راجع كتابنا نظرية عدالة الصحاب والمرجعية السياسية في الإسلام - الباب الثالث.
3 - رفعت السلطة شعار العمل بالرأي ورفع أهل البيت شعار العمل بالنص والنبي الكريم على فراش الموت، كشر الرأي بمواجهة النبي نفسه عن أنيابه، وحال أصحابه بين الرسول وبين كتابة ما أراد، بحجة أن الرسول قد اشتد به الوجع، وأن القرآن وحده يكفي، ولا حاجة لكتابة ما أراد الرسول كتابته، وتصدى أهل البيت الكرام ودافعوا عن الشرعية، وأن الرسول لا ينطق عن الهوى، فتمادى أصحاب الرأي وقالوا: إن الرسول قد هجر! ولو استمر أهل البيت وشيعتهم في مواجهتهم لتشبث أهل الرأي بالهجر، ولتفاقمت وقاحة أهل الرأي وهزوا الدين من أساسه، فأشار النبي لأهل البيت وشيعتهم بأن يقدموا الأهم على المهم، وطلب من الجميع الخروج من الحجرة النبوية المقدسة، وكان هذا أول انتصار للرأي بمواجهة مكشوفة مع الشرعية! ولا يقوى أحد على إنكار هذه الحادثة.
وعندما تأسست السلطة لأول مرة بعد وفاة النبي، كانت حصيلة الرأي أن الهاشميين قد أخذوا النبوة، ولا ينبغي أن يجمعوا مع النبوة الخلافة فيجحفوا على قومهم، والحل الأمثل الذي اخترعه الرأي هو أن تبقى النبوة للهاشميين، وأن تختص قريش بالخلافة تتداولها في ما بينها، وعارض أهل البيت الكرام، وأوضحوا حكم الشرع،