اعتبروها من لوازم الحفاظ على الدولة وعلى وحدة الأمة... لولا ذلك لاختلفت الصورة تماما، ولكان بيان النبي كاملا بجانب القرآن!
(لو أن أحاديث الرسول كانت قد كتبت عندما كان ينطق بها، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى على الأقل، وحفظ ما كتب على وجه الدهر منها، لتلقاها الناس كما تلقوا كتاب الله بغير بحث في صحتها، ولا تنقيب عن حقيقتها، ولكن عدم تدوينها في عهد صاحب الرسالة وأصحابه، وإثباتها من ناحية الرواية قد ألزم العلماء أن يبحثوا في أمرها، لكي يعرفوا الصحيح، والموضوع منها). راجع أضواء على السنة المحمدية صفحة 273 لمحمود أبو رية.
طوال 95 عاما وأحاديث النبي محاصرة رسميا، لا تكتب، ولا تروى ولا تداول...
طوال هذه المدة، وشعار (حسبنا كتاب الله) يترسخ ويتوطد، حتى ألقي في روع الناس، أن كتاب الله وحده يكفي، وبمعنى أن بيان النبي للقرآن أمر ثانوي، حتى تحول هذا التوجه إلى سنة ترسخت في النفوس، فصارت تأبى سواها، إلا من رحم ربي!
وعندما آلت الأمور إلى الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، أدرك خطورة ما جرى وما يجري من إهمال البيان المحمدي، فكلف واليه على المدينة أبا بكر الحزمي بأن ينظر ما كان من سنة أو حديث فيكتبه لأنه وبتعبيره (فإني خفت دروس العلم، وذهاب أهله) كما ذكر مالك في الموطأ، وعندما آلت الأمور إلى يزيد بن عبد الملك عزل الحزمي، وفترت فكرة الكتابة، حتى جاء هشام بن عبد الملك فأحياها. فقبلوا مكرهين!
9 - المناخ الذي جرى فيه تدوين الحديث أحاديث مضى على محاصرتها 85 عاما، وصدرت عن صاحب الرسالة من مدة 85 عاما، وطوال هذه المدة وهي محظورة رسميا، وفجأة خطر ببال السلطة الإسلامية أن تدون هذه الأحاديث تدوينا، يحفظ تلك الأحاديث ولا يمس بأولئك الذين حاصروها، ولا بشيعتهم وأوليائهم، ولا ينال من هيبة السلطة القائمة، ولا يؤثر على أمنها، ولا يقوي شوكة معارضيها، أو الطاعنين بشرعيتها.