عن رغبته، وقال لمن حضر: قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، وقبل أن يبين مضمون هذا الكتاب، وقفت الأكثرية الساحقة الموجودة في الحجرة المباركة وقفة رجل واحد خلف عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وقالت: حسبنا كتاب الله هجر النبي، يهجر النبي - حاشا له - فصدمت هذه الأكثرية خاطره الشريف بتلك الكلمات النابية، وذهل الذين لم يروا رأي الأكثرية.
10 - الحزب القائد لقد علا شأن هذا الحزب، وعظم أمره، حتى تفرد أعضاؤه برئاسة الدولة الإسلامية طوال التاريخ السياسي الإسلامي، فما جلس على سدة رئاسة الدولة الإسلامية خليفة إلا وهو يدين بالولاء لمؤسس الحزب وصاحبه رضي الله عنهما، وقد فرض هذا الحزب قناعاته رسميا على العامة والخاصة، بحكم التكرار، وبضغط وسائل السلطة.
ومع الأيام تكونت لقيادة الحزب ومن والاها، حالة من التقدير والانبهار فاقت كثيرا مرتبة النبوة والولاية، فإذا وجد نص شرعي واضح ولا يحتمل التأويل كتشريع الخمس، ووجد عمل لقادة الحزب يتعارض معه، أهمل النص نفسه، واتبعت سنة قادة الحزب على اعتبار أن عملها أولى بالاقتداء والإعمال من النص، لأنها هي أفهم الخلق بضرورات إهمال النص أو إعماله، وهي أدرى من غيرها بمصلحة الإسلام، وبمصلحة المسلمين، وتلك مكانة لم تعط حتى للأنبياء!!
ولقد تمكن هذا الحزب من إيجاد ترتيبات وضعية حلت بالتدريج سياسيا محل الترتيبات الإلهية، ولكثرة الممارسة، والترداد، وبحكم القدم والتقليد، صار العامة يعتقدون أن الترتيبات الوضعية هي عينها الترتيبات الإلهية، ولم يكن ميسورا على أي شخص أن يجتهد برأي يعارض ذلك، فتعطل العقل البشري، وتعطلت الشرعية معا، وبضربة فنية واحدة!