ثم إن النبي بشر يتكلم في الغضب والرضا، فهل ينبغي أن تحمل كل أقوال النبي على محمل الجد والتصديق؟
هذه الأسئلة وعشرات من أمثالها كانت تتجاوب في نفس أبي بكر، ولكن الرجل ميال للآخرة، ومفضل للآجلة على العاجلة، يؤثر السلامة، ويكره المواجهة، ويحب رسول الله حقا، فلم يبد أي اعتراض علني على ولاية الإمام علي يوم أعلنها النبي في غدير خم، بل وبادر مع عمر بن الخطاب وقدما التهاني للإمام.
ولكن التساؤلات السابقة لم تبرح خياله، ولم تغادر نفسه، وهو مهيأ نفسيا لقبول فارس من عالم الغيب يقوده مع بطون قريش للخروج على هذا الترتيب، لكنه ليس مستعدا أن يقود المواجهة مع علي خاصة، ومع أهل البيت الكرام عامة، إكراما للنبي، واحتياطا لدينه.
31 - العملاق عمر بن الخطاب لنفترض أن بطون قريش كلها سلمت بحق علي بالولاية، وأيدت مبدأ جمع الهاشميين للنبوة والخلافة، فهل يقبل عمر بن الخطاب بهذا؟ وهو ابن البطون البار الذي يعلم حقيقة تفكير البطون والذي انبرى ليعبر عن مشاعر تلك البطون، وساعده على ذلك أن صيته قد ذاع بالإسلام وأن مكانته قد ارتفعت بالإسلام، وأن مقامه قد علا بمصاهرته لرسول الله، ولفت الأنظار إلى ذاته بكثرة معارضاته لرسول الله، فأصبح عميد بطن بني عدي، وموضع ثقة كل بطون قريش التي دخلت في الإسلام يوم أحيط بها، وموضع إعجاب الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، فقد تعجبوا من جرأة هذا الرجل على رسول الله.
ومع هذا فإن عمر بن الخطاب على كثرة معارضاته للرسول لم يعارض عندما أعلن الرسول ولاية علي بن أبي طالب، بل تقدم مع أبي بكر وقدما معا التهاني للولي بالولاية، ولم يظهر أي نوع من المعاندة والمعارضة على حد علمي، فقد اكتشفت بأن