هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي قال: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) يقصد أنه هو العزيز وأن رسول الله هو الأذل!
ولما اقترح عليه بعض أصحابه أن يقتل عبد الله بن أبي قال (كيف يقال إن محمدا يقتل أصحابه)!!!
تلك هي طبيعة العظمة المحمدية، رجل فهم حقيقة الحياة، واستوعب المنظومة الإلهية، فهو لا يعاقب على النوايا، وهو لا يكمم الأفواه، ولا يصادر حقوق الإنسان ، ولا يقع في الظلم، لقد أقام دولته لرفع الظلم، وإشاعة العدل، ورد الحرية للإنسان.
42 - تبريرات عمر لأفعاله أجمع تبريرات عمر لأفعاله الحديث الذي جرى بينه وبين ابن عباس أثناء خلافة عمر، وأثبت بأدناه النص الحرفي لهذه المحاورة، وكما ذكرها علامة المعتزلة بن أبي الحديد.
(قال عمر: يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم؟ قال ابن عباس: لا يا أمير المؤمنين، قال عمر: لكني أدري، قال ابن عباس: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال عمر:
كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجحفوا جحفا، فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفقت فأصابت! قال ابن عباس: أيمط أمير المؤمنين عني غضبه فيسمع؟
قال عمر: قل ما تشاء، قال ابن عباس فقلت: أما قول أمير المؤمنين إن قريشا كرهت، فإن الله تعالى قال لقوم (ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) وأما قولك إنا كنا نجحف، فلو جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة، ولكننا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله الذي قال الله تعالى له (وإنك لعلى خلق عظيم) وقال له (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) وأما قولك فإن قريشا اختارت فإن الله تعالى يقول (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) ولقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك من اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت قريش.