يخفى على مثلكم أن عهد النبي الزاهر هو عهد التشريع فإذا كان الأمر كذلك، فمن الذي جعل الاجتهاد فريضة؟
ولو تركنا التقليد جانبا لوجدنا أن الاجتهاد في اصطلاح المسلمين هو الذي فرض الاجتهاد، حيث صار لفظ الاجتهاد في عرف العلماء مخصوصا ببذل المجتهد وسعة في طلب العلم بأحكام الشريعة، كما ذكر أبو حامد الغزالي في المستصفى، والآمدي في الأحكام مجلد 4 صفحة 141، وقد شاع هذا الاصطلاح لدى علماء مدرسة أهل البيت الكرام بعد القرن الخامس، كما ورد في كتاب مبادئ الأصول للعلامة الحلي.
انعدام الحاجة إلى الاجتهاد مثل أستاذي الكريم يعلم علم اليقين أن الله تبارك وتعالى قد أنزل القرآن تبيانا لكل شئ على الإطلاق، وإذا كنا لم نلمس ذلك فلأن تغطية القرآن بالبيان لكل شئ عملية فنية تماما، فبالرغم من تبحرك في علوم معينة إلا أنك لا تستطيع أن تجري جراحة للعين، ومن هنا اقتضت حكمته تعالى وجود (عبد) ليبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، ولينقل الكتاب من الكلمة إلى الحركة، ومن النظر إلى التطبيق، نقلا قائما على الجزم واليقين لا على الفرض والتخمين.
وبالفعل قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه العملية عبر دعوة قادها بنفسه، ومن خلال دولة ترأسها بنفسه. وبعد أن تم ذلك أعلن الله كمال الدين وتمام النعمة، ولأن عملية البيان مستمرة إلى يوم القيامة عين الله مرجعية فردية، ومرجعية جماعية تساعد المرجعية الفردية، وأمر الناس باتباع المرجعية الفردية المختصة بالبيان، وأمر المرجعية الجماعية بمساعدة المرجعية الفردية، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى.
ومن هنا يتبين لأستاذي الفاضل أن الإسلام يتلخص شكلا ومضمونا بكلمتين كتاب الله المنزل، وبيان النبي لهذا الكتاب. والقياس الموضوعي لمعرفة المتقيدين بالإسلام هو الموالاة، فلو زعم زاعم أنه مؤمن بالقرآن، ومتبع لبيان النبي، ولكنه لا يريد أن يوالي النبي فزعمه مردود عليه.