ولقد أدركت السلطة وشيعتها خطورة مثل هذه التساؤلات فدعمت فعل الخلفاء بما سمي إجماعا. وعهد أبو بكر لعمر أمام الصحابة ولم يعترض عليه أحد، بمعنى أن فعل أبي بكر يسنده الإجماع، علاوة على حقه الثابت بأن يقيم للناس من يتولى أمره، فمن يشك بهذا الحق فإن الإجماع يدخله اليقين، وقول الرسول حق: لا تجتمع أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة... إلخ.
وسترى أن بإمكان الخليفة أن يبين القرآن، وأن يضع هذا البيان موضع التطبيق بغض النظر عن كون هذا البيان قائما على الظن والتخمين أو الجزم واليقين، بل وبإمكانه أن يعمل عكس ما عمل الرسول، فإذا وزع الرسول بين الناس بالتساوي، فبإمكان الخليفة أن يعطي الناس حسب منازلهم لا بالتساوي، وإذا حدد القرآن وجوه صرف الصدقات فبإمكان الخليفة أن يلغي وجها من هذه الوجوه، كما فعل الفاروق حيث ألغى نهائيا سهم المؤلفة قلوبهم، بحجة أن الله أعز دينه ولا حاجة لتأليف القلوب بالمال... إلخ. فمن هذه الناحية وأمام قدرة الخليفة على التصرف والإبداع، فلن يكون هنالك فراغ حقوقي أو قانوني.
ولكن مع ذلك وبالضرورة ستحدث تصرفات، أو أفعال، أو حالات تحتاج للحكم الشرعي، فإذا عرف أولو الأمر الحكم الشرعي حكموا به، وإن لم يعرفوا فإن الأحداث لن تتوقف حتى يعرفوا الحكم الشرعي، فبالضرورة أيضا لا بد من حكم يتصدى لهذه الحادثة أو تلك، فيصبح لزاما على أولي الأمر وشيعتهم أن يجدوا حكما ما، وطالما أنهم لم يهتدوا إلى الحكم الشرعي الإلهي، فلا بديل أمامهم من خيارين:
1 - إما أن يرجعوا إلى علي بن أبي طالب بوصفه (مدينة العلم اللدني) وبوصفه (وليهم وولي كل مؤمن ومؤمنة) ورجوعهم إليه لمعرفة الحكم الشرعي تأكيد لحقه بالولاية، وهز من الأعماق لنظام الدولة وهذا ما لا يقبله حاكم عاقل ولا يرضاه لأمره، لأنه لو فعل ذلك لسحب بساط الشرعية من تحت أقدامه!