للنبي عن هذا القرآن لأنه دليل نبوته، وعنوان الرسالة الإلهية إلى بني البشر، والقرآن حافل بآلاف المعاني والمقاصد بوصفه القانون النهائي للجنس البشري، والنبي وحده هو القادر على معرفة المعنى المحدد للنص المحدد، الذي ينطبق على هذه الواقعة أو تلك.
وباستعراضنا لتاريخ الهدايات الإلهية لم نجد أن الله تعالى قد أرسل رسالة بدون رسول، أو أنزل كتابا إلا على عبد، وهذا يؤكد أن النبوة فن واختصاص بأمور البيان، تماما كاختصاص الطبيب بالطب والمهندس بالهندسة... إلخ. وتلك أمور لم يغفلها المشرع الوضعي على قصوره، فما من منظومة حقوقية سائدة، إلا وخصص لها فرد أو جهاز يتولى بيانها للمكلفين.
5 - الجزم واليقين والظن والتخمين قد يقول قائل إن القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين، وأن بإمكان أي قارئ للعربية أن يفهم القرآن، وأن يستوعب الكثير من معانيه، هذا صحيح ولكن الآية الواحدة مشحونة بالمعاني والمفاهيم والمقاصد، وليس المطلوب أي معنى، أو أي فهم، أو أي مقصد، إنما المطلوب عين المعنى والمفهوم والمقصد الذي عناه الله تعالى بهذه الآية، وخصصه بالذات ليحكم هذه الحادثة، أو تلك، في هذا الزمن، أو ذلك.
ففهم أي شخص للنص القرآني هو فهم قائم على الظن والتخمين، فهو يتصور حسب مبلغه من العلم أن هذا الفهم هو المطلوب وهو الحاكم لتلك الحادثة، ولكنه لا يجزم أن هذا هو المقصود الإلهي، وإذا جزم فلا برهان على جزمه.
أما فهم الرسول أو المكلف إلهيا ليقوم مقامه، فهو فهم قائم على الجزم واليقين بأن هذا المعنى أو ذلك هو عين المقصود الإلهي المخصص لحكم هذه الحادثة، أو تلك، في هذا الزمن، أو ذاك.
والدليل القاطع على صحة الجزم واليقين أن الله اختاره وهيأه وكلفه بالبيان مباشرة، ثم اختار من بعده الإمام، وهو مكلف بأن يكون مرجع الأمة الأوحد في زمانه، والكاشف الأوحد عن المقاصد الإلهية الواردة في أحكام المنظومة الحقوقية الإلهية.