11 - حرية رواية وكتابة كل شئ إلا حديث رسول الله في عهد أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، كان بإمكان أي شخص أن يروي، أو يكتب أي شئ، وفي أي موضوع، بغض النظر عن دين الراوي، أو دين المروي عنه، فيمكنه أن يروي أو يكتب الشعر الجاهلي، أو الأنساب، أو أيام العرب، أو التاريخ، أو المفاخرة، أو القصص، بل ويمكن أن يروي الأحاديث والأساطير الإسرائيلية، كما كان يفعل كعب الأحبار، وتميم الداري، ولا حرج، فهذا كله مباح، ولا لوم ولا تثريب لا على راو ولا على مروي عنه، ولا على كاتب.
أما باب التحديث عن رسول الله فقد كان مغلقا تماما، وباب كتابة حديث الرسول كان مغلقا أيضا. وذلك لتثبيت قناعة (حسبنا كتاب الله) حتى تصبح هذه القناعة عامة وشاملة وعميقة، فيتعود المسلمون على العيش بدون نبي معتمدين على القرآن وحده.
فالأسباب الحقيقية لمنع رواية حديث الرسول ومنع كتابته هي:
1 - السبب الأول: تجسيد وتعميق وترسيخ الترتيب الوضعي القائل (حسبنا كتاب الله) أي أن كتاب الله يغني عن أي شئ آخر، ويغني عن قول الرسول نفسه، لأن هذا الشعار رفع لتبرير الحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما أراد. وفي ذلك ترويض من السلطة للرعية حتى تتعود على فراق الرسول، والاعتماد على كتاب الله وحده.
2 - إغلاق كل الأبواب بوجه الذين يعارضون السلطة، ويقولون إنهم أولى بالحكم من غيرهم، لأن رسول الله نص عليهم بأنهم قادة الأمة ومرجعيتها، فترك أبواب التحديث عن رسول مفتوحة أمر يحرج السلطة، وقد تتمكن المعارضة من إثبات حجتها وحقها بالحكم استنادا لأحاديث رسول الله، وفي ذلك زعزعة للاستقرار، وهز لكيان الدولة التي يتربص بها أعداؤها الدوائر، وبالتالي تفتيت لوحدة الأمة بذلك الظرف العصيب، فكان إغلاق باب التحديث عن رسول ضربة معلم!