وساعد على ترسيخ هذه القناعة المتولدة أصلا عن الإشاعة رسوخ فكرة أن الغالب مهما كانت وسائل غلبته بطل، وأن البطولة والغلبة محط هوى النفس البشرية، فقبول الناس هذه الترتيبات البديلة لأنها في جانب منها من صنع الأبطال الذين غلبوا، والغالب على حق، فلو لم يكن على حق لما انتصر - حسب رأيهم - فأخذوا بظاهر من القول: إن الله يؤتي ملكه من يشاء.
6 - تقديس الغلبة وتمجيد الغالب في هذا المناخ تقدست الغلبة، وأصبحت سببا شرعيا للخلافة، وتمجد الغالب وأحيط بهالة حقيقية من التقدير وبفيض من الطاعات، كأنه خليفة وإمام شرعي معين بالنص أو العهد، فاخترع ترتيب بديل مفاده: أنه لو خرج على الخليفة أو الإمام الشرعي خارج أي خارج على الإطلاق - فوقف مع الخليفة الشرعي فريق، ومع هذا الخارج فريق، وشب الصراع بين الفريقين، ثم أسفر عن انتصار هذا الخارج وسيطرته على مقاليد الأمور، فيجب التنكر عمليا للخليفة الشرعي المغلوب، وإطاعة هذا الخارج الغالب، وتتويجه خليفة شرعيا مكان السابق فقط لأنه غالب، فإذا غلب وجلس في مقام الخلافة، فيتوجب طاعته، والانقياد له، وتقديم واجبات الولاء له كائنا من كان، ولماذا لا؟ فهو خليفة رسول الله وأمير المؤمنين رسميا، وإن كنت في شك من ذلك فاقرأ مشكورا الأحكام السلطانية صفحة 5 - 11.
ولهذا الغالب أن يتمتع بكافة الحقوق والصلاحيات والامتيازات التي كان يتمتع بها الخليفة الشرعي المغلوب عندما كان غالبا، فهو خليفة حقيقي الآن، بل وبإمكان هذا الخليفة الغالب أن يعهد لمن يقود الأمة من بعده، فهو موضع ثقة نظر المسلمين حال حياته، وتبعا لذلك أن ينظر لهم حال موته، وإن كنت في شك من ذلك فاقرأ صفحة 177 من مقدمة ابن خلدون تجد هذا الترتيب البديل.
وزيادة في الأمان والاطمئنان على هذا الغالب فإنه يحرم قتاله، ويحرم الخروج عليه، ويحرم عزله، وله على الأمة حق الطاعة حتى ولو كان فاسقا ظالما، وإن كنت