اللسان من دون مدخلية للقلب، كما إذا سمع شيئا مخوفا، فيقول على الغفلة: أستغفر الله، أو نعوذ بالله، من غير شركة للقلب فيه وتأثره منه، وأما إذا انضاف إليه تضرع القلب وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق إرادة وخلوص رغبة وميل قلبي إلى انقلاعه عن هذا الذنب فهي حسنة في نفسها، وإن علم أن نفسه الأمارة ستعود إلى هذا الذنب فتصلح هذه الحسنة لأن يدفع بها السيئة، فالاستغفار بالقلب وأن خلا عن حل عقدة الإصرار لا يخلو عن الفائدة، وليس وجوده كعدمه. وقد عرف أرباب القلوب بنور البصيرة معرفة قطعية يقينية لا يعتريها ريب وشبهة صدق قوله تعالى:
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (23).
ولذا جزموا وقطعوا بأنه لا تخلو ذرة من الخير عن أثر كما لا تخلو شعيرة تطرح في الميزان عن أثر، ولو كانت كل شعيرة خالية عن أثر لكان لا يرجح الميزان باجتماع الشعيرات، فميزان الحسنات يترجح بذرات الخيرات إلى أن يثقل فتسل كفة السيئات، فإياك وأن تستصغر ذرات الطاعات فلا تأتيها، وتستحقر ذرات المعاصي فلا تتقيها، كالمرأة الخرفاء تكسل عن الغزل تعللا بأنها لا تقدر في كل ساعة إلا على خيط واحد، وأي غنى يحصل منه، وما وقع ذلك في الثياب، ولا تدري أن ثياب الدنيا اجتمعت خيطا خيطا، وأن أجسام العالم مع اتساع أقطاره اجتمعت ذرة ذرة، وربما ترتب على عمل قليل ثواب جزيل، فلا ينبغي تحقير شئ من الطاعات. قال الصادق عليه السلام: (أن الله تعالى خبأ ثلاثا في ثلاث: رضاه في طاعته، فلا تحقروا منها شيئا فلعل رضاه فيه. وغضبه في معاصيه، فلا تحقروا شيئا فلعل غضبه فيه. وخبأ ولايته في عبادته، فلا تحقروا منهم أحدا فلعله ولي الله). فإذا الاستغفار بالقلب حسنة لا يضيع أصلا، بل ربما قيل: الاستغفار بمجرد اللسان أيضا حسنة، إذ حركة اللسان بها غفلة خير من السكوت عنه فيظهر فضله بالنظر إلى السكوت عنه، وأن كان نقصا بالإضافة إلى عمل القلب، فينبغي ألا تترك حركة اللسان بالاستغفار، ويجتهد في أضافة حركة