فقال: ويحك! أتدري بين يدي من كنت؟ شغلني والله ذلك عن هذا!
أتعلم أنه لا يقبل من صلاة العبد إلا ما أقبل عليه. فقلت له: يا ابن رسول الله، هلكنا إذا. قال: كلا! إن الله يتم ذلك بالنوافل). وروي: أنه (ع) إذا قام إلى الصلاة تغير لونه، وإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا).
وروي: (أنه (ع) كان إذا قام إلى الصلاة كأنه ساق شجرة، لا يتحرك منه إلا ما حركت الريح منه). وسئل مولانا الصادق (ع) عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا عليه، فقال: (ما زلت أكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها) (20). قيل: وكان لسان الإمام (ع) في تلك الحال كشجرة طور حين قالت: (أني أنا الله). وسئل بعض الأكابر عن صلاته، فقال: ((إذا جاءت الصلاة، أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى الصلاة فأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيرا بتحنن، وأقرأ القرآن بترتيل، وأركع ركوعا بتواضع، وأسجد سجودا بتخشع، وأقعد على الورك اليسرى، وأفرش ظهر قدميها، وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا!).
ثم، على ما عرفت من كيفية صلاة الأنبياء والأولياء مع مشاهدة كيفية صلاتك وصلاة الناس، تعلم: أن الناس ينقسمون في صلاتهم: إلى غافل يتم صلاته ولا يحضر قلبه في لحظة. وإلى من يغفل في بعض صلاته ويحضر قلبه في بعض منها، وهذا تختلف حاله بحسب قلة كل من الحضور والغفلة وكثرتهما، وزيادة أحدهما على الآخر، فله مراتب غير متناهية.
وإلى من يتم صلاته ولا يغيب قلبه لحظة، بل يكون حاضر القلب في جميع صلاته وربما كان مستوعب الهم بها، بحيث لا يحس بما يجري بين يديه كما لم يحس مولانا أمير المؤمنين (ع) بإخراج النصل من رجله الشريفة.