المستقيم) إذا كان القلب غافلا؟ ولا شك أيضا أن المقصود من القراءة والأذكار الثناء والحمد والتضرع والدعاء، والمخاطب هو الله - تعالى -، فإذا كان قلب العبد محجوبا عنه بحجاب الغفلة، ولا يراه ولا يشاهده، بل كان غافلا عن المخاطب، ويحرك لسانه بحكم العادة، فما أبعد هذا المقصود بالصلاة التي شرعت لتصقيل القلب، وتجديد ذكر الله، ورسوخ عقد الإيمان بها. هذا حكم القراءة والذكر. وأما الركوع والسجود، فالمقصود منهما التعظيم قطعا، والتعظيم كيف يجتمع مع الغفلة، وإذا خرج عن كونه تعظيما لم يبق إلا مجرد حركة الظهر والرأس وليس فيه المشقة ما يقصد الامتحان به، كما في أفعال الحج وإعطاء المال في الزكاة، وإمساك النفس عن الشهوات في الصوم. فكيف يجعل مجرد هذه الحركة مع خفتها وسهولتها عماد الدين، والفاصل بين الكفر والإسلام، وتقدم على سائر العبادات، ويجب القتل بسبب تركها على الخصوص، ولكون الحضور والخشوع والخشية عمدة ما يقصد به من الصلاة تظاهرت الآيات والأخبار على الترغيب عليها وفضيلتها ومدح أهلها وعلى ذم الغفلة والتفكر في أمور الدنيا والوساوس الباطلة عند الاشتغال بالصلاة، وقد تظاهرت الأخبار أيضا بأن الأنبياء والأوصياء وأكابر الأولياء كانوا عند اشتغالهم في الصلاة في غاية الإقبال والخشوع والخوف. قال الله - سبحانه -:
(الذين هم في صلاتهم خاشعون) (12). وقال: (وأقم الصلاة لذكري) (13). والغفلة تضاد الذكر، فمن كان غافلا في صلاته لا يكون مقيما للصلاة لذكره. وقال: (ولا تكن من الغافلين) (14). وقال: (فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون) (15)، ذمهم على الغفلة عنها مع كونهم مصلين، لا لأنهم سهوا عنها وتركوها. وقال: (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) 16.