على حواسه. ولكن الضعيف لا بد وأن يتفرق فيه فكره. فعلاجه: قطع هذه الأسباب، بأن يغض بصره، أو يصلي في بيت مظلم، ولا يترك بين يديه ما يشغل حسه، ويقرب من حائط عند صلاته، حتى لا تتسع مسافة بصره، ويتحرز من الصلاة على الشوارع، وفي المواضع المنقوشة المصبوغة، والعمارات العالية المرتفعة. ولذلك كان المتعبدون يصلون في بيت مظلم صغير، سعته بقدر السجود، ليكون أجمع للهم. والأقوياء كانوا يحضرون المساجد، ويغضون البصر، ولا يجاوزونه موضع السجود، كما ورد الأمر به، ويرون كمال الصلاة في ألا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم.
وأما الثاني: أعني الأسباب الباطنة، فهي أشد. فإن من تفرقت همومه وتشعبت خواطره في أودية الدنيا لم ينحصر فكره في فن واحد، بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب. وغض البصر لا يغنيه، فإن ما وقع في القلب من قبل كاف للشغل. فهذا علاجه: أن يرد نفسه قهرا إلى فهم ما يقرؤه، ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم، بأن يجدد على نفسه ذكر الآخرة، وخطر المقام بين يدي الله تعالى، وهول المطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه من أمر الدنيا، فلا يترك لنفسه شغلا يلتفت إليه خاطره، فهذا طريق تسكين الأفكار فإن لم تسكن أفكاره بهذا الدواء المسكن، فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق، وهو أن ينظر في الأمور الشاغلة الصارفة له عن إحضار القلب. ولا ريب في أنها تعود إلى مهماته، وهي إنما صارت مهمة لأجل شهواته، فليعاقب نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق.
فكل ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه، وجند إبليس عدوه، فإمساكه أضر عليه من إخراجه، فيتخلص عنه بإخراجه. وهذا هو الدواء القامع لمادة العلة، ولا يغني غيره. فإن ما ذكر من التلطف بالتسكين والرد إلى فهم الذكر، إنما ينفع في الشهوات الضعيفة والهم الذي لا يشغل إلا حواشي القلب. وأما الشهوة القوية المرهقة، فلا ينفع معها التسكين، بل لا تزال تجاذبها وتجاذبك، ثم تغلبك وتقضي جميع صلاتك في شغل المجاذبة.
ومثاله مثال رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره، فكانت أصوات