الأعضاء الرئيسة، وهضما لها بملاقاتها أثر التربة الخسيسة.
ثم لما كان القلب هو الرئيس الأعظم لهذه الجوارح والأعضاء، والمستخدم لها في تلك الأمور المبعدة عن جنابه تعالى، وهو الموضع لنظر الله سبحانه، كما قال (ص): (إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم)، فله من ذلك الحظ الأوفر والنصيب الأكمل. فيكون الاشتغال بتطهيره من الرذائل والتوجهات المانعة من درك الفضائل أولى من تطهير الأعضاء الظاهرة عند اللبيب العاقل. وإذا لم يمكن تطهيره من الأخلاق الرذيلة، وتحليته بالأوصاف الجميلة، لرسوخه على حب الدنيا الدنية، فليقمه في مقام الهضم والإزراء، ويسقيه بسياط الذل والاغضاء. كما إنه عند تعذر غسل الأعضاء بالماء يهضمها ويذللها بالوضع على التراب، عسى أن يرحم ربه تواضعه وانكساره، فيهبه نفحة من نفحات نوره اللامع، فإنه عند المنكسرة قلوبهم، كما ورد في الأثر، فترق من هذه الإشارات ونحوها إلى ما يوجب لك الإقبال، ويتدارك سالف الإهمال.
ثم ما ذكر من السر في الطهارة، يمكن استنباطه - مع زيادة - من كلام مولانا الصادق (ع) في (مصباح الشريعة)، حيث قال: (إذا أردت الطهارة والوضوء، فتقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله، فإن الله تعالى قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته، ودليلا إلى بساط خدمته، وكما أن رحمة الله تطهر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غيره، قال الله تعالى:
(وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا) (8). وقال الله - تعالى -: (وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) (9).
فكما أحيى به كل شئ من نعيم الدنيا، كذلك برحمته وفضله جعل حياة القلوب بالطاعات. وتفكر في صفاء الماء ورقته، وطهره وبركته، ولطيف امتزاجه بكل شئ. واستعمله في تطهير الأعضاء التي أمرك الله