فإني قد جعلته حاكما فإن مقتضى ما دل على جوازه هو حكومته على جميع تكاليف المترافعين وغيرهما وإلا لزم عدم جوازه رأسا لان الالزام بمقتضى تكليف المتخاصمين ليس من الحكم في شئ وإنما هو أمر بالمعروف الذي يجب على كل من يقدر عليه من المكلفين من المقلد والمجتهد والحر والعبد فيعلم من ذلك أن الحكم الذي هو عبارة عن الالزام بخلاف ما يقتضيه التكليف الذي يكون مختصا بالمجتهد إذا صار جايزا يكون حاكما على تكليف المرافعين وغيرهما وإلا لزم الخلف وهو محال وقد مر بيان لذلك أيضا في صدر المبحث فليراجع إليه الرابع قوله (عليه السلام) فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فبحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله الخبر وقد مر بيان دلالته في صدر الكتاب فليراجع إليه الخامس لزوم الهرج والمرج وهو باطل أما اللزوم فظاهر وأما البطلان فأظهر إلى غير ذلك مما يمكن استفادة المدعى منه ومن ذلك يظهر ضعف تفصيل بعض مشايخنا في المقام بين التراضي وعدمه إذ لا مدخلية لتراضي الخصمين في تغيير الحكم الشرعي ولا في إعادة الخصومة بعدما ارتفعت كما هو الفرض هذا مجمل القول فيما لو علم بمخالفة حكمه للدليل المختلف في اعتباره وعدمه.
وأما الكلام في المقام الأول من تلك المقامات أي ما لو علم بمخالفة حكمه للحكم الواقعي النفس الامري فنقول ان الحق فيه جواز النقض بل وجوبه بالنسبة إلى المترافعين والحاكم سواء كان المترافعان مجتهدين أو مقلدين أو مختلفين والوجه فيه عدم قابلية تحكيم الحكم على العلم بالخلاف وهذا بخلاف الأمارات الظنية فإنها قابلة لتحكيم بعضها على بعض وبعبارة أخرى إنما حكمنا بتقديم الحكم على تكليف المترافعين وغيرهما في الصورة السابقة من جهة ما استفدنا من الأدلة من كون حكم الحاكم طريقا شرعيا للمترافعين وغيرهما حاكما على سائر الطرق الشرعية ومعلوم إن هذا لا يجري في صورة العلم بالخلاف لعدم قابلية حكومة الظن على القطع بالخلاف اللهم إلا أن يرفع اليد عن الواقع بأن يجعل حكم الحاكم في عرض الواقع من غير أن يكون طريقا إليه فإنه يمكن حينئذ أن يقال بتقديم الحكم على العلم لكنه لم يقم دليل على ذلك بل المعلوم عندنا خلافه.
فإن قلت إن قضية جواز حكم الحاكم في الفرض كما هو المفروض فصل الخصومة به حسبما ذكرت في الصورة السابقة فإذا انفصل الامر فما الدليل على كون علم المترافعين أو الحاكم بالخلاف سببا لوصله.
قلت العلم بكون الحكم مخالفا للواقع يكشف عن عدم امضاء الشارع إياه من أول الأمر فلم يفصل الامر حتى يحتاج وصله إلى دليل.
فإن قلت إن قوله (عليه السلام) فإذا حكم بحكمنا إلى آخره دال على أن مجرد الحكم سبب تام لوجوب ترتيب الأثر على المحكوم به سواء علم بالخلاف أم لم يعلم ومن أين جاء التقييد بعدم العلم على الخلاف.
قلت نمنع صدق قوله فإذا حكم بحكمنا في صورة العلم بالخلاف كيف وأنا نعلم أنه لم يحكم بحكمهم غاية الأمر الحمل على الواقع فيما لم يعلم الامر ان الموافقة والمخالفة وأما إذا علم المخالفة كما هو المفروض فنمنع من الحمل عليه بل لا يمكن كما لا يخفى.
فإن قلت إن المراد بقوله فإذا حكم بحكمنا حسبما ذكرت في صدر الكتاب كون حكمه حكما بحكمهم في نظر الحاكم لا غيره فإذا اعتقد كون حكمه من أحكامهم يحرم نقضه وإن علم مخالفته للواقع قلت ما ذكرت في صدر الكتاب من أن المراد بقوله فإذا حكم بحكمنا ما ذكر انما هو في مقابل عدم اشتراط العلم بموافقة حكمه للواقع لا في مقابل العلم بالخلاف فإنك قد عرفت عدم تمامية هذه إلا برفع اليد عن - الواقع وهو خلاف المفروض هذا كله في المقام الأول.