قال فيما لم أعلمه وإنما عبر عنه بذلك القول من حيث غلبة حصوله بهما كما في كثير من التعبيرات كما تقول لا أبرح من هذا المكان حتى يؤذن المؤذن ومرادك دخول وقت الظهر مثلا وإنما عبرت عنه بذلك القول من حيث كون أذان المؤذن امارة غالبية لدخوله هذا مضافا إلى أنه لا قول بالتفصيل في المسألة بين العلم الحاصل له من الحواس الظاهرة وغيره وأما من جهة ان جعل البينة أو اليمين والحكم باعتبارهما في مقابل العلم بكذبهما مما لا معنى له بل لا يعقل أما على وجه الطريقية فواضح وأما على وجه التعبد والموضوعية فلان جعل الظن ولو على وجه التعبد في مقابل العلم بالخلاف غير معقول غاية الأمر عدم ملاحظة الشارع في جعله على ذلك التقدير كونه موصلا إلى الواقع وأما الحكم باعتباره مع العلم بخلافه فمما لا يعقل لان الأحكام الظاهرية سواء كانت من الطرق الظنية أو الامارات التعبدية قد أخذ في موضوعها الجهل بالواقع وأما من جهة كون الحصر فيها بملاحظة الغالب من حيث عدم حصول الظن غالبا على خلافهما وأما من جهة كون المراد منها انا لا نتفحص عن الواقع ولا يجب علينا الفحص عن الواقع بل نحكم بالبينة والايمان لا أنه إذا حصل العلم لنا لا نعمل به بل نأخذ بالظاهر فافهم.
ثانيها قول الصادق (عليه السلام) في خبر الحسين بن خالد الواجب على الامام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلى بينة مع نظره لأنه أمين الله في خلقه وإذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزجره وينهاه ويمضي ويدعه قال قلت كيف ذلك فقال لان الحق إذا كان لله تعالى فالواجب على الإمام (عليه السلام) اقامته وإذا كان للناس فهو للناس وبمضمونه بعض الأخبار الأخر أيضا.
وفيه أن هذه الرواية لا تدل على عدم جواز القضاء بالعلم فيما إذا كان المطلوب الواقع وإنما تدل على كون مطالبة ذي الحق في حق الناس شرطا لإقامة الحدود وهو لا ينافي ما ذكرنا فالقضاء بالعلم في حقوق الناس كالقضاء بالبينة والاقرار فيها موقوف على مطالبتهم وهو لا ينافي ما نحن بصدده وقد ادعى جماعة الاجماع على توقف القضاء في حقوق الناس على مطالبة ذي الحق وهو كذلك إلا أن العلم وغيره سواء في ذلك يقضى بهما في الجملة ولا يقضى بهما كذلك نعم خالف في ذلك الشيخ في المبسوط وبعض اخر فحكموا بجواز القضاء بالاقرار لبعض الروايات ولكنه ضعيف.
ثالثها ما حكاه السيد عن أبي علي من أن الله تعالى أوجب للمؤمنين فيما بينهم حقوقا أبطلها فيما بينهم وبين الكفار والمرتدين كالمواريث والمناكح وأكل الذبايح ووجدنا الله تعالى قد اطلع رسوله (صلى الله عليه وآله) على من كان يبطن الكفر ويظهر الاسلام فكان يعلمه ولم يبين أحوالهم لجميع المؤمنين فيمتنعوا من مناكحهم وأكل ذبايحهم انتهى ما حكى عنه وقد يقال في توجيه هذا الوجه انه لو بني على جواز حكم الامام بعلمه لاختل نظام جميع الناس وارتفعت المصلحة الموجبة لاختفاء أمور الناس وأحوالهم في الدنيا من حيث علم الإمام بجميع جزئيات ما يصدر عنهم قولا وفعلا وأيضا لو حكم بعلمه لشاع وذاع بل المعلوم من حال النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) عدم الحكم بعلمهم في كثير من الموارد ومن راجع الاخبار وشاهد الآثار يجدها منادية بأعلى صوتها بما ذكرنا.
وفيه أولا المنع من علم المعصوم بجميع جزيئات أفعال المكلفين وأقوالهم فعلا غاية الأمر أنهم قادرون على العلم بهما إن شاؤوا علموا وأين هذا من محل البحث في شئ ولا دلالة له على أنهم فيما علموا لم يحكموا بعلمهم مع كون الحكم به موافقا للأصل والقاعدة الأولية حسبما عرفت سابقا وثانيا سلمنا علمه بجميع جزئيات الأفعال حضورا كما هو مذهب بعض أهل الضلالة لكن نقول إنه لم يثبت لنا عدم حكمه بعلمه فيما لو كان البينة واليمين على خلاف الحق بل المعلوم من حالهم في كثير من الموارد هو حكمهم على مقتضى ما علموا كما هو