بالنسبة إلى السبب السابق لاحتمال استنادها فيه إلى أصالة الصحة فهو مما لا ينفع أصلا وقد عرفت مرارا في طي كلماتنا السابقة ان الاحتمال الذي يصلح لحمل إحدى البينتين عليه ويجمع به بينهما هو الاحتمال المتطرق في إحديهما الغير المتطرق في الأخرى وأما الذي متطرق فيهما فلا يعقل ان يجعل مستندا للجمع بينهما للزوم الترجيح بلا مرجح وإن شئت توضيح ذلك فارجع إلى ما فصلناه في وجه تقديم المشتملة على السبب على غيرها وبالجملة كلما احتمل في إحدى البينتين ما لا يحتمل في الأخرى بل احتمل فيها الاطلاع على ما يقتضي رفعه والاستناد عليه فيجب الجمع بينهما والحكم بتحقق الاحتمالين فيهما وهذا أصل قد بنوا عليه في كثير من مسائل تعارض البينات كما في مسألة تعارضها في الجرح والتعديل والتقييد والاطلاق والاثبات والنفي إلى غير ذلك.
فنقول في المقام ان قضية التحقيق وإن كانت ما ذكروه لو كانت البينتان في مرتبة واحدة من - القوة إلا أنه لا ريب ان البينة القديمة ضعيفة بالنسبة إلى ما تشهد عليه بالحال لضعف مستندها وهو الأصل هذا ملخص ما ذكره دام ظله العالي في مجلس البحث وهو كما ترى على فرض صحته يقتضي المصير إلى عكس ما عليه المشهور.
وإلى ما ذكره أشار الفاضل في القواعد في وجه عدم التقديم ويكون هو المراد من كلامه فبالحري نقله بألفاظه حتى تطلع على حقيقة مرامه قال في مقام بيان المرجحات وتعدادها الثالث اشتمال إحدى البينتين على زيادة كزيادة التاريخ فإذا شهدت بينة على أنه ملكه منذ سنة والأخرى انه ملكه منذ سنتين حكم للأقدم لان بينته أثبتت الملك له في وقت لم يعارضها فيه البينة الأخرى فثبت الملك فيه ولهذا له المطالبة بالنماء في ذلك الزمان وتعارضتا في الملك في الحال فسقطتا وبقي ملك السابق فيجب استدامته وان لا يثبت لغيره ملك إلا من جهته ثم قال ويحتمل التساوي لان المتأخرة لو شهدت انه اشتراه من الأول لقدمت على الأخرى فلا أقل من التساوي انتهى كلامه رفع الله في الخلد مقامه.
وأنت بعد التأمل في كلامه تعلم أن مراده ما ذكره شيخنا الأستاذ العلامة لان مقصوده من كلامه الأخير انه لو فرض اشتمال المتأخرة على ذكر السبب فلا إشكال في تقديمها فلا بد من أن يحكم في صورة اطلاقهما بالتسوية لو لم يحكم بترجيح المتأخرة من حيث لزوم الجمع بين البينتين مهما أمكن بحمل المتأخرة على الاطلاع على السبب الناقل والمتقدمة على الاستناد بالأصل حسبما عرفت من كلام الأستاذ العلامة فالحكم بترجيح الثانية على الأولى مما لا وجه له هذا.
وفيه أولا انا نفرض الكلام فيما إذا علمنا باستناد كل من البينتين إلى العلم بالمشهود به وهو الملكية في الحال ومن المعلوم عدم جريان ما ذكر فيه وتوهم خروجه عن محل الكلام فيه ما لا يخفى وثانيا سلمنا عدم العلم بذلك لكن مقتضى ظاهر كلامهما هو الحمل على ذلك وإن كان الاستناد إلى الأصل أيضا جايزا لا يستلزم تجوزا في اللفظ على تقديره حسبما عرفت تفصيل القول فيه إلا أنه خلاف الظاهر قطعا فلا يجوز المصير إليه إلا مع دلالة صارفة ومجرد العلم باستناد إليه في الغالب على تقديره لا يصلح صارفا كما لا يخفى.
والقول بأن مقتضى الشهادة الحالية الاطلاع على النقل من المدعى إلى من قامت له بخلاف الشهادة على القدم فيه ما فيه لأنه ليس معنى الشهادة الحالية والمتأخرة كونها مصرحة بالنقل والسبب لان الشهادة على الحال لا دلالة على ذلك أصلا فضلا عن أن تكون صريحة فيه لان الشهادة في الحال إنما تثبت الملكية فيها