قلت لسنا في مقام اثبات استحالة استخراج الحكم الوضعي واستكشافه من الحكم التكليفي حتى تورد علينا بمسألة أوفوا بالعقود وأمثالها وإنما نحن في صدد اثبات ان أدلة تلك الأمور ليست إلا في مقام بيان سببيتها للتأثير أن وجد لها محل قابل وليست في مقام بيان قابلية المحل بل بيانها موكول لما دل على الحكم الأولي لمعروض تلك الأسباب فإن دل على الإباحة مثلا دل على قابلية المحل وإن دل على الحرمة مثلا دل على عدم قابلية المحل وليس هذا تخصيصا في أدلة تلك الأسباب حتى نأخذ بعمومها وكفاك شاهدا لما ذكرنا من عدم كون أدلة تلك الأمور في مقام تشريع الحكم الأولي لمتعلقاتها بل في مقام بيان كونها أسباب للأحكام الثانوية في المحال القابلة استقباح ان يتمسك بتلك الأدلة في كل فعل فرض الشك في حكمه الأولى مثلا إذا شككنا في أن العصير العنبي بعد الغليان حلال أو حرام فيفرض وصية شخص به أو نذر شخص إياه أو عقد صلح عليه فيحكم بجواز شربه وهكذا في سائر الأشياء المشكوكة الحكم وهذا حد يرغب أهل العلم عنه لا يحسن مكالمة من صار إليه بل هو مضحكة مسخرة تعالى أهل العلم عن الالتزام بما يوجب ذلك ويفضى إلى هذا علوا كبيرا حاشاهم ثم حاشاهم.
فإن قلت إن مرجع ما ذكرت إلى عدم ورود أدلة الأسباب الشرعية في بيان قابلية المورد فلا بد أن يحرز من الخارج فهذا إنما يصح لو كانت تلك الأدلة مطلقات وليست كذلك لأنها عمومات فلا يصح القول بورودها موردا لحكم الآخر.
قلت ما ذكرنا مبني على ما هو التحقيق عندنا من جريان ما ذكروه في المطلقات في العمومات أيضا كما عليه جمع من المحققين فإنه لو ورد كل ما يأخذه الكلب المعلم حلال لا يمكن الاستدلال به على عدم وجوب الغسل كما أنه لو ورد ما يأخذه الكلب المعلم حلال لا يمكن أن يتمسك به على عدم الوجوب.
فإن قلت مقتضى بعض ما ورد في مورد تلك الأحكام من الأدلة الخارجية المقتضية لحكومة أدلة الأحكام الواقعية على الأسباب الشرعية مثل قوله لا نذر في معصية وشبهه هو شمول الأسباب لمورد أدلة الأحكام الواقعية وانه خرج عنها بهذا الدليل الوارد فيكشف هذا عن شمول ما دل على تأثير الأسباب لما يوجد منها في مورد أدلة الأحكام الواقعية فما حملك على القول بعدم شمولها لمورد الاحكام أولا وبالذات وإن خروجه عنها ليس من التخصيص بل من التخصص لورودها أولا على المحل القابل.
قلت أولا يكفي لورود الأدلة الخارجية على الحكومة توهم الشمول ولا يشترط فيه الشمول بحسب اللفظ والحقيقة وان أبيت إلا عن ظهور هذه الأدلة في الشمول اللفظي نقول ثانيا أنه يدور الامر بين ابقائها على ظاهرها واخراج أكثر الافراد من الواجبات والمحرمات عن أدلة تلك الأسباب بما قام من الأدلة الخارجية - الناطقة بالخروج أو حمل أدلة تلك الأسباب على عدم كونها واردة في مقام بيان قابلية المحل فلا بد من أن تحرز من الخارج وصرف تلك الأدلة الخارجية عن ظاهرها وحملها على الشمول التوهمي ولا ريب ان الثاني أولى كما لا يخفى فتأمل.
ثم إن هذا الذي ذكرنا من قابلية مورد الإباحة وأشباهها لتأثير الأسباب الشرعية فيه وعدم قابلية مورد الحرمة لتأثيرها فيه إنما هو بالنظر إلى أصل القاعدة ولكن قد يدل دليل خارجي على عدم القابلية في مورد الإباحة أيضا مثل ما دل من الاخبار على فساد اشتراط الزوجة عدم تزويج الزوج بزوجة أخرى في ضمن عقد النكاح معللا بأن هذا الشرط مخالف لمقتضى الكتاب المقتضي لجواز تزويج مثنا وثلاث ورباع من النساء هذه جملة