وفيه: أن هذا وإن لم يكن تصديقا له، إلا أن معنى طرح خبر الفاسق جعل احتمال صدقه كالعدم، وظاهر هذه الأخبار الاعتناء باحتمال صدقه وعدم جعله كالعدم، ولهذا لو وقع نظير هذا في خبر الفاسق الدال على الوجوب لكانت أدلة طرح خبر الفاسق معارضة له قطعا. بل قد عرفت مما ذكرنا أن هذا في الحقيقة عمل بخبر الفاسق.
وربما يجاب أيضا بأن النسبة بينهما عموم من وجه، والترجيح مع هذه الأخبار.
والتحقيق في الجواب: أن دليل طرح خبر الفاسق إن كان هو الاجماع فهو في المقام غير ثابت، وإن كان آية النبأ فهي مختصة - بشهادة تعليها - بالوجوب والتحريم، فلا بد في التعدي عنهما من دليل مفقود في المقام.
الاعتراض الخامس ومنها: أن الأخبار بترتب الثواب على العمل المذكور لا يستلزم الاستحباب.
وأجيب: بأن الثواب لا يكون إلا فيما يرجح فعله على تركه، وليس المستحب إلا ما كان كذلك [وجاز تركه] (1).
الايراد على الجواب وفيه: أن الثواب قد يكون على إتيان الشئ لاحتمال كونه مطلوبا راجحا، وهذا لا يحتاج في ترتب الثواب إلى رجحان آخر غير الرجحان المحتمل.
وقد ذكرنا سابقا أن هناك شيئين: أحدهما: فعل محتمل المطلوبية لداعي احتمال كونه مطلوبا، وهو معنى الاحتياط، وهذا لا يحتاج في ترتب الثواب عليه إلى صدور طلبه في الشارع، بل يكفي احتمال كون الفعل مطلوبا مع كون داعي الفعل هو هذا الاحتمال. والثاني: مجرد إتيان محتمل المطلوبية من دون ملاحظة كون الداعي هو الاحتمال، وهذا لا يترتب الثواب عليه إلا إذا ورد الأمر به