وحينئذ فالبحث عن حجة الخبر الواحد ووجوب الاحتياط والاستصحاب في الأحكام الصادرة عن الشارع مسائل أصولية، لأن المجتهد بعدما أتقنها عموما أو خصوصا يرجع إليها في المسائل الفرعية ولا تنفع المقلد، لأن العمل بها موقوف على ملكة الاجتهاد، فكيف يمكن للمقلد أن يعمل بالخبر.
الواحد حيثما وجده مع عدم قوة له يقتدر بها على فهم مدلول الخبر والفحص عن معارضه وكيفية علاج المعارضة بعد العثور على المعارض؟ وكيف يمكن للمقلد إيجاب الاحتياط على نفسه أو الأخذ بالبراءة في المسائل المشكوكة أو الالتزام بالحالة السابقة فيها؟ مع أن جميع ذلك موقوف على صرف ملكة الاجتهاد واستعمال القوة القدسية في الفحص عن الأدلة وفهم ما يمكن منها أن يرد على الأصول المذكورة ويرفع اليد به عنها، وذلك واضح.
والحاصل: أنه لا فرق بين الأصول وبين العمومات اللفظية التي هي أدلة الأحكام في أنه لا يعمل بها (1) إلا بعد الفحص.
وأما البحث عن اعتبار اليد وأصالة الطهارة في الأعيان المشكوكة وحجية قول الشاهدين فهي مسائل فرعية، لأنها بعد إتقانها لا يرجع إليها المجتهد عند الشك في الأحكام الكلية، إذ الثابت بهذه القواعد الأحكام الجزئية الثابتة للجزئيات الحقيقية التي ليس وظيفة الفقيه البحث عنها، بل هو والمقلد فيها سواء، فهي ليست متعلقة للاجتهاد ولا التقليد.
وأما ما يرى من رجوع الفقهاء في الموارد إلى القواعد - مثل قاعدة اللزوم وقاعدة الصحة ونحوهما - فلا يعنون بها الأحكام الفرعية المرادة من هذه العمومات، بل المراد بها نفس العمومات التي هي القابلة للرجوع إليها عند الشك.