تحقيق المؤلف في الجواب فالتحقيق في الجواب أن يقال: قد عرفت سابقا أن معنى النيابة هو تنزيل الشخص منزلة الغير في إتيان العمل الخاص، وقد عرفت أيضا مشروعيته ورجحانه، ومقتضى هذا التنزيل كون الفعل المقصود به حصول التقرب والثواب موجبا لتقرب ذلك الغير، لا العامل، لأنه لم يتقرب بذلك الفعل إلا بعد تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه، فصار المنوب عنه هو المتقرب، ولذا يعود النفع إليه.
ثم إن هذا التنزيل هو بنفسه فعل يمكن أن يقع للدواعي المختلفة، فقد يكون الداعي ما حكم العقل والنقل به من حسن هذا التنزيل وأنه محبوب لله تعالى وأن الفاعل يثاب عليه، فلا يوقع هذا التنزيل إلا لله تعالى. وقد يكون الداعي عليه حب ذلك الغير لأمر دنيوي - كقرابة أو صداقة أو إحسان يريد مكافأته أو غير ذلك - من غير التفات إلى كون هذا التنزيل مما أمر به استحبابا وأراده الشارع، وهذا هو الأكثر في العوام حيث لا يكون الداعي والحامل لهم على العمل إلا ما يسمع من وصول النفع إلى الميت بهذه العبادة أو هذه الصدقة، ولا يلتفتون إلى وصول نفع وثواب إليهم، بل لا يعتقدونه، بل قد لا يصدقون من يخبرهم بذلك قائلين: إنا نفعل هذا وثوابه لميتنا، ولا شك أن النيابة بهذا القصد لا يوجب عدم صحة العمل، لأن التقرب على وجه النيابة حاصل. نعم النيابة على وجه التقرب غير حاصل، والموجب لصحة الفعل على وجه النيابة هو الأول، والثاني يعتبر في صحة نفس النيابة التي هي عبادة باعتبار تعلق الأمر الاستحبابي به عقلا ونقلا.
إذا عرفت هذا فنقول: كون الداعي على النيابة وتنزيل نفسه منزلة الغير في إتيان الفعل تقربا إلى الله هو مجرد استحقاق الأجرة، إنما يوجب عدم الخلوص والتقرب في موافقة أوامر النيابة وعدم حصول ثواب النائب، لعدم امتثاله أوامر النيابة وعدم إخلاصه فيها، وهذا لا يوجب عدم صحة العمل الذي جعل نفسه فيه بمنزلة الغير وأتى به عنه تقربا إلى الله، فالنيابة عن الميت