وحينئذ فالوجوب الثابت للحاضرة قبل التذكر وجوب ظاهري يرتفع بارتفاع مناطه، وهو النسيان.
لكن الانصاف أن ما ذكرنا من معارضة استصحاب عدم الحرمة باستصحاب عدم الوجوب غير مستقيم، لأن الشك في مجرى الأصل الثاني مسبب عن الشك في مجرى الأصل الأول، فالأول حاكم على الثاني، لما تقرر في الأصول (1) فالصواب: الجواب عن الاستصحاب المذكور بما سيجئ في الوجه الخامس من تقرير الأصل (2).
هذا كله في إجراء الأصل في الحكم التكليفي، وهي حرمة الحاضرة. وأما أصالة عدم اشتراطها بخلو الذمة عن الفائتة، فإن أريد بها أصالة البراءة بناء على القول بجريانها عند الشك في شرطية شئ للعبادة، فهو حسن على هذا القول، إلا أن ظاهر كلام المستدل به إرادة أصالة إطلاق الأمر بالحاضرة، وسيأتي الكلام في الاطلاقات.
الخامس من وجوه تقرير الأصل (استصحاب الحكم) الخامس: أن الحاضرة كانت يجوز فعلها في السعة قبل اشتغال الذمة بالفائتة، فكذا بعده، للاستصحاب.
وهذا الاستدلال حكاه بعض المعاصرين عن المختلف، وقال: إنه فاسد لتعدد الحاضرة في الحالتين، وعدم ثبوت الحكم لكل حاضرة، وإلا استغنى عن التمسك بالاستصحاب، وهو لا يجري مع تعدد المحل.. ثم قال: وأما الاستدلال بأنه لو لم يكن عليه قضاء لجاز له فعل الحاضرة في السعة، فكذلك مع ثبوته، ففاسد أيضا، لأن مرجعه إلى القياس أو استصحاب الحكم الغير الثابت من أصله إلا على سبيل الفرض في نفس زمانه، وكلاهما باطل (3) (انتهى).
الجواب عن هذا الاستصحاب أقول: استصحاب الحكم الشرعي على قسمين:
أحدهما: استصحاب