فإن قلت: الاضطرار إلى هذه الأمور الممنوعة تابع للاضطرار إلى الصلاة التي تقع هذه فيها، وحينئذ فإن فرض عدم اضطرار المكلف إلى الصلاة مع أحد هذه الأمور الممنوعة فهي غير مضطر إليها، فلا يرخصها التقية. وإن فرض اضطراره إلى الصلاة معها فهي مرخص فيها، لكن مرجع الترخيص فيها - بملاحظة ما دل على كونها مبطلة - إلى الترخيص في صلاة باطلة، ولا بأس به إذا اقتضاه الضرورة، فإن الصلاة الباطلة ليست أولى من شرب الخمر الذي سوغه التقية.
في صدق الاضطرار قلت: لا نسلم توقف الاضطرار إلى هذه الأمور على الاضطرار إلى الصلاة التي يقع فيها، بل الظاهر أنه يكفي في صدق الاضطرار إليه كونه لا بد من فعله مع وصف إرادة الصلاة في ذلك الوقت لا مطلقا، نظير ذلك أنهم يعدون من أولي الأعذار من لا يتمكن من شرط الصلاة في أول الوقت، مع العلم أو الظن بتمكنه منه فيما بعده، فإن تحقق الاضطرار ثبت الجواز الذي هو رفع المنع الثابت فيه حال عدم التقية، وهو المنع الغيري.
الرواية الثانية ومنها ما رواه في أصول الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال:
(التقية في كل شئ إلا في شرب المسكر والمسح على الخفين) (1).
دلت الرواية على ثبوت التقية ومشروعيتها في كل شئ ممنوع لولا التقية، إلا في الفعلين المذكورين، فاستثناء المسح على الخفين مع كون المنع فيه عند عدم التقية منعا غيريا، دليل على عموم الشئ لكل ما يشبهه من الممنوعات لأجل التوصل بتركها إلى صحة العمل، فدل على رفع التقية لمثل هذا المنع الغيري، وتأثيرها في ارتفاع أثر ذلك الممنوع منه، فيدل على أن التقية ثابتة في