حتى يكون الداعي للمكلف على فعله هو هذا الاستحباب القطعي الذي ثبت من أدلة التسامح.
فالقائل بالتسامح يقول: إذا ورد رواية ضعيفة في استحباب وضوء الحائض - مثلا - فلها أن تتوضأ بقصد القربة المحققة المجزوم بها، لا أن لها أن تتوضأ لاحتمال كون الوضوء مقربا في حقها ومطلوبا منها. ولا يخفى أن نية القربة على وجه الجزم يتوقف على تحقق الأمر، والمفروض عدم تحققه.
وأما الأمر العقلي بحسن الاحتياط وحكمه باستحقاق فاعله الثواب وإن لم يصادف فعله المحبوبية، بل التسوية في الثواب بينه وبين من صادف - بناء على أن الفرق بينهما مخالف لقواعد العدلية - فهو إنما يرد على موضوع الاحتياط الذي لا يتحقق إلا بعد كون الداعي على الاقدام هو احتمال المحبوبية والثواب.
لا مجرد فعل محتمل المحبوبية، فلا يمكن أن يكون نفس هذا الأمر العقلي القطعي داعيا على الاقدام المذكور.
ومنه يظهر أنه لو فرض ورود الأمر الشرعي على هذا الفعل مطابقا لحكم العقل ومؤكدا له، فلا يعقل أن يصير داعيا [إلى الفعل، بل الداعي هو الاحتمال المذكور، وهو الذي يدعو إلى الفعل لو أغمض الفاعل عن ثبوت حسنه والأمر به واستحقاق الثواب المنجز عليه عقلا وشرعا. وأيضا فإن حكم العقل باستحقاق هذا الفاعل الثواب ثابت ولو في صورة فرض عدم التفات الفاعل إلى ورود الأمر الشرعي.
حكم العقل بحسن الاحتياط منشأ لاستحقاق الثواب فتبين أن الأمر الشرعي الوارد على فعل الاحتياط من حيث هو احتياط ليس داعيا] (1) للفاعل إلى الاحتياط ولا منشأ لاستحقاق الثواب.
والسر فيه: أن الاحتياط في الحقيقة راجع إلى ضرب من الإطاعة، فهي