أدلة البراءة - عقلا ونقلا - بالشك في التكليف المستقل، كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو غسل الجمعة، لكن وجوب الاحتياط في التكليف الوجوبي المستقل مما لم يقل به أحد من المجتهدين والأخباريين على ما ادعاه بعض الأخباريين من اختصاص الخلاف بين الأخباريين والمجتهدين في وجوب الاحتياط وعدم بغير هذه الصورة من صور الشبهة في الحكم الشرعي.
وعلى هذا فوجوب الاحتياط من جهة الفورية ووجوب المبادرة إلى القضاء لمجرد احتمال العقاب على التأخير مما لم يقل به أحد.
وأما أصالة الاحتياط من جهة الشك في اعتبار الترتيب - على ما هو مذهب جماعة في الشك في الشرطية والجزئية - فهي أيضا غير جارية في المقام وإن قلنا بجريانها في غيره، لأن الترتيب مسبب عن الشك لزوم المبادرة، وإذا كان المرجع عند الشك في لزوم المبادرة أصالة البراءة عنه بالاتفاق على ما ذكر لم يجب الاحتياط عند الشك في اعتبار الترتيب.
حكومة أصالة البراءة على أصالة الاشتغال بل المرجع إلى أصالة البراءة التي هي الأصل في الشك، الذي صار منشأ لهذا الشك، لما تقرر في محله من أن أحد الأصلين إذا كان الشك في مجراه سببا للشك في مجرى الآخر، فهو حاكم على صاحبه، ولا يلتفت إلى صاحبه، ولذا لو شككنا في وجوب تقديم إخراج النجاسة الغير الملوثة منه لم يكن هناك موضع إجراء أصالة الاشتغال باتفاق من القائلين بجريانها عند الشك في اعتبار الشئ في العبادة المأمور بها.
والحاصل أن أصالة البراءة حاكمة على أصالة الاشتغال، مع كون الشك في مجرى الثانية مسببا عن الشك في مجرى الأولى، وهذا هو الضابط في كل أصلين متعارضين، سواء كانا من جنس واحد، كاستصحابين أو من جنسين، كما