السابع هل يجوز الافتاء باستحباب مورد التسامح؟
قيل: إن المستفاد من الأخبار هو إعطاء الثواب لمن بلغه الرواية، فليزم الاقتصار على مدلولها، فإفتاء المجتهد باستحبابه مطلقا مشكل. نعم، للمجتهد أن يروي الحديث ثم يفتي بأن من عمل بمقتضاه كان الأجر له، انتهى محصوله (1).
وفيه أولا: ما عرفت من أن الأخبار المتقدمة إنما دلت على جواز العمل بالأخبار الضعيفة في السنن، فالأخبار الضعيفة في مقام الاستحباب بمنزلة الصحاح، وحينئذ فلا بأس بنقل المجتهد لمضمونها وهو الاستحباب المطلق، فيكون بلوغ الرواية إلى المجتهد عثورا على مدرك الحكم، لا قيدا لموضوعه.
وثانيا: أنه لو سلمنا عدم دلالة تلك الأخبار إلا على استحباب الفعل في حق من بلغه لا على حجية ما بلغ لمن بلغ، لكن نقول: قد عرفت أن أمثال هذه المسائل مسائل أصولية ومرجع المجتهد في الأحكام الشرعية دون المقلد، فالقيود المأخوذة في موضوعها إنما يعتبر اتصاف المجتهد بها دون المقلد، ألا ترى أن المعتبر في استصحاب الحكم الشرعي كون المجتهد شاكا في بقاء الحكم وارتفاعه والمعتبر في الاحتياط كون المجتهد شاكا في المكلف به؟ وكذا الكلام في البراءة والتخيير، والسر في ذلك أو هذه القيود يتوقف تحققها إثباتا ونفيا في مراجعة الأدلة وبذل الجهد واستفراغ الوسع فيها، وكل ذلك وظيفة المجتهد، فكأنه يفعل ذلك من طرف المقلد، ويسقط الاجتهاد عنه بفعله.