وأما مدلول هذه العمومات والمستنبط منها بعد الاجتهاد والنظر في تلك العمومات ومعارضها وما يصلح أن يخصصها ونحو ذلك، فهي قاعدة لا تنفع إلا في العمل وينبغي أن تلقى إلى المقلد وتكتب في رسائل التقليد. مثلا إذا لاحظ الفقيه قوله تعالى: ﴿أوفوا بالعقود﴾ (1) واستنبط قاعدة وجوب الوفاء بكل العقود أو ببعضها - على حسب ما يكشف له بعد ملاحظة المعارضات والمخصصات أنه مراد الله سبحانه وتعالى من هذا العموم - فلا ريب أن هذه القاعدة قاعدة عملية تلقى إلى المقلد ولا يصح أن يكون مرجعا في مسألة، وإنما المرجع في المسألة المشكوك فيها هو العموم الدال على هذه القاعدة. وهذا بخلاف الرجوع إلى قاعدة اليقين أو الاحتياط في مقام الشك أو التمسك بالخبر الواحد، فإن شيئا من ذلك ليس رجوعا إلى عموم قوله عليه السلام: (لا تنقض) ولا إلى عموم قوله عليه السلام: (إحتط لدينك) (2) ولا إلى عموم أدلة حجية الخبر الواحد، إذ لم يقع شك في تخصيص هذه العمومات حتى يرجع إلى عمومها.
فتبين أن حال قوله عليه السلام: (لا تنقض اليقين) (3) مثلا حال أدلة حجية الخبر الواحد في أن المجتهد (4) بعد ما فهم مراد الله سبحانه منها عموما أو خصوصا فيصير المراد منها مرجعا للأحكام الشرعية عند الشك، بخلاف (أوفوا بالعقود) فإن المرجع في الحقيقة أصالة الحقيقة وعدم التخصيص الثابتة في نفس الآية، لا في المعنى المراد منها.
وأن أبيت إلا عن أن المرجع في موارد الاستصحاب ليس إلا نفس قوله عليه السلام: (لا تنقض اليقين) فهو نفس المرجع لا دليله، منعنا على هذا الوجه كون المرجع في إثبات حكم العقد المشكوك وجوب الوفاء به هي الآية، لأن