ونقول: فكرة الدعوة لعلي سواء أ كانت بسيطة أم مركبة هي فكرة في أمر من أهم أمور الاسلام والحق أن التاريخ لم يدل على أنها بسيطة ولا تتلخص فيما ذكره بل تتلخص في أن النبي ص نص على علي يوم الغدير ولما أحس بدنو أجله أراد انفاذ جيش بامرة أسامة وأمره على وجوه المهاجرين والأنصار لئلا يبقى عند موته في المدينة من يطمع في منازعة علي فلم ينفذ ذلك الجيش وأراد أحكام الأمر بان يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده أبدا فقال بعضهم حسبنا كتاب ربنا ونسبوه إلى الهجر وتحامل إلى المحراب وهو في أشد المرض ليدفع الشبهة.
والخلافة عرفها أهل الكلام بأنها رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي ص فالخليفة نائب عن النبي وقائم مقامه والنبي جاء بالشريعة من عند ربه والخليفة حافظ لها من الزيادة والنقصان حاكم بين الناس بالعدل حافظ للثغور وكما يجب على الله تعالى من باب اللطف بعباده أن يرسل إليهم رسولا يعرفهم الحلال من الحرام ويحكم بينهم بالعدل ويحمي ثغورهم كذلك يجب أن ينصب لهم إماما بعد النبي يقوم بذلك وكما يجب في النبي أن يكون معصوما ليقبل قوله ولا يسقط من القلوب محله كذلك يجب في الامام أن يكون معصوما للعلة نفسها، ولقوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين. والخلافة عهد من الله والعاصي ظالم لنفسه فلا ينالها.
والأنصار أو بعض الأنصار قالوا لا نبايع إلا عليا رواه الطبري.
والمهاجرون كان كثير منهم موتورين من بني هاشم وخصوصا من علي ومنافسين له فمالوا عنه والأنصار مال أحد رؤسائهم أسيد بن حضير رئيس الأوس مع المهاجرين حسدا لسعد رئيس الخزرج لما رأوا سعدا لم ينجح في طلبها وأصحاب علي كانوا يرون أن عليا أحق بها كغيرهم بالنص والفضل ولا يرونها ميراثا أدبيا كما زعم وأين الميراث الأدبي من أمر هو من أهم الأمور الدينية لكنهم لما رأوا الأكثر مالوا عن علي كانوا مقهورين على أتباعهم وكذلك علي. والنبي يورث في ماله بنص القرآن ولذلك طالبت بإرثه ابنته ولم تقنع بخبر الواحد: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وظلت مصرة على المطالبة وماتت غاضبة بنص رواية البخاري، وأوصت أن تدفن سرا ودفنت سرا ولو كان النبي لا يورث لوجب أن يعلمها بذلك لئلا تطالب بغير حقها وإلا كان النبي وحاشاه مقصرا في التبليغ ولو أعلمها لما طالبت فهي كانت أورع وأتقى من أن تطالب بما ليس لها بحق وتبقى مصرة على المطالبة. سواء أ كان النبي ص يورث أم لا فالخلافة ليست بالميراث فكون النبي يورث في ماله أو لا يورث لا دخل له بالخلافة كما توهم.
قال: ولم يرد من طريق صحيح أن عليا ذكر نصا من آية أو حديث يفيد أن رسول الله ص عينه للخلافة ولو كان لديه نص وذكره لما بقي الأنصار والمهاجرون على رأيهم ولبايعوه.
ونقول: النص على أن النبي ص عينه للخلافة يوم الغدير ثابت موجود ذكرناه مفصلا في الجزء الثاني والجزء الثالث أما أنه ذكره أو لم يذكره فالله أعلم بذلك وأما أنه لو كان لديه نص وذكره لبايعه المهاجرون والأنصار فقد كان لديه نص يوم الغدير كما سمعت وسمعوه ومع ذلك لم يبايعوه للسبب الذي مر وما يفيد ذكره للنص وهم يتهددونه بتحريق البيت عليه إن لم يخرج للبيعة فيقال لهم إن فيه فاطمة فيقولون وإن.
قال: بل ما بأيدينا من تاريخ يدل على أن عليا بايع أبا بكر وإن كان بعد تلكؤ كما بايع عمر وعثمان من بعده. وكل ما صح عن علي أنه كان يرى أنه كان أولى بالأمر منهم ويحتج بأنه وأهل بيته الثمرة وقريش الشجرة والثمرة خير ما في الشجرة.
ونقول: نعم بايع أبا بكر لكن بعد ما ذا وهل في وسعه أن لا يبايع عمر بعد ما نصبه الخليفة السابق خليفة من بعده أو في وسعه أن لا يبايع عثمان بعد ما أمر الخليفة الثاني بقتل من خالف نتيجة الشورى، واحتجاجه بأنهم حفظوا الشجرة وضيعوا الثمرة ردا على ما احتج على الأنصار بان قريشا شجرة النبي ما كان إلا تألما وتوجعا وبيانا لوهن هذا الاحتجاج لا إنه ليس له حجة سواه وما يفيد الاحتجاج وقد سبق السيف العذل.
وقال: ويروي البخاري عن ابن عباس أن عليا خرج من عند النبي ص في وجعه الذي توفي فيه إلى أن قال فاخذ بيده العباس وقال أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لأرى رسول الله ص سيتوفى من وجعه هذا فاذهب بنا إليه نسأله فيمن هذا الأمر فإن كان فينا علمناه وإن كان في غيرنا كلمناه فاوصى بنا فقال علي ان سألناها فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده وإني والله لا أسألها.
ونقول: الثابت في ذلك ما رواه المفيد في ارشاده من أنه لما طلب الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا وقالوا ما قالوا أعرض بوجهه عنهم فنهضوا وبقي عنده العباس وابنه الفضل وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة فقال له العباس يا رسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقرا من بعدك وإن كنت تعلم أنا نغلب عليه فأوص بنا فقال أنتم المستضعفون من بعدي الحديث. أما الحديث الذي ذكره فلا يكاد يصح فالخلافة إن كانت أمرا إلهيا وجب على النبي بيانها ولم يحتج إلى السؤال عنها وإن كانت باختيار الناس فلا معنى لسؤاله عنها لأنها تكون فيمن اختارته الأمة وكيف يقول علي وإن سألناها فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده فاعطاؤها ومنعها عندكم ليس بيد الرسول ص حتى يعطيها أو يمنعها. وكيف يقول علي وإني والله لا أسألها وهو يرى نفسه أحق بها كما اعترف به في كلامه السابق.
وقال: (1) كان جمع من الصحابة يرى أن عليا أفضل من أبي بكر وعمر وغيرهما، كعمار وأبي ذر وسلمان وجابر والعباس وبنيه وأبي وحذيفة إلى كثير غيرهم.
ثم قال ناقلا عن مقدمة ابن خلدون: ونرى بعد هذا العصر أن الفكرة تطورت فقال شيعة علي أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة بل هي ركن الدين ولا يجوز لنبي إغفالها ولا تفويضها إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الامام لهم ويكون معصوما من الكبائر والصغائر وإن عليا هو الذي عينه بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة بل أكثرها موضوع أو مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة.
ونقول: فكرة الإمامة لم تتطور عند الشيعة بل هي عندهم في