هذا ما يجعل من العسير على المؤرخ الناقد وصف شخصيته العلمية وصفا يطمئن إليه. ما في نهج البلاغة وما روي عنه من الحكم والأمثال أيه له وأيه ليس له. وما صدر عنه من الأحكام وما استشاره فيه الخلفاء أيه يصح عنه وأيه لا يصح، كل هذه الأشياء لا تزال مجالا للبحث.
ونقول: كل هذا الذي قال عنه انه يجعل من العسير على المؤرخ الناقد وصف شخصية علي العلمية. الحق انه يجعل من السهل جدا على المؤرخ الناقد المجرد عن التقليد وصف شخصية علي من جميع نواحيها لا في العلم فقط بأنها شخصية فذة لا تدانيها شخصية بعد شخصية الرسول ص فان ما رواه المؤالف والمخالف من فضائله في العلم وغيره وشاع وذاع عنه من أعدائه قبل أوليائه إن لم يكن كل واحد منه متواترا تواترا لفظيا فمجموعه متواترا تواترا معنويا ونهج البلاغة قد عرفت الكلام فيه وما روي عنه من الحكم وما صدر عنه من الأحكام والاستشارة حاله ما روي عنه من الفضائل وليس شئ من ذلك كله مجالا لبحث ولا لتشكيك بل هو أجلي من الشمس الضاحية لولا ربقة التقليد.
ثم حكى (1) عن الطبقات في المقارنة بينه وبين ابن عباس بان ابن عباس كان اعلمهما بالقرآن وكان علي اعلمهما بالمبهمات.
ونقول هذا من أنواع الغض من علي بكل وسيلة فابن عباس تلميذ علي وخريجه وأين مرتبته العلمية من مرتبة علي؟.
قال: (2) وكذلك كان يفعل جعفر الصادق بالمدينة أي له حلقة في المسجد بالمدينة يؤخذ عنه فيها العلم قالوا وكان يشتغل بالكيمياء والزجر والفأل.
ونقول اشتغاله بذلك من الأكاذيب التي لا تستند إلى مستند.
وقال: (3) أكثر من روي عنه في تفسير القرآن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب. وترتيبهم بحسب كثرة ما روي عنهم لا بالنسبة لما صح، أولهم ابن عباس ثم ابن مسعود ثم علي ثم أبي ويظهر انه وضع على ابن عباس وعلي أكثر مما وضع على غيرهما لأسباب أهمها أن عليا وابن عباس من بيت النبوة فالوضع عليهما يكسب الموضوع ثقة وتقديسا ومنها انه كان لعلي من الشيعة ما لم يكن لغيره فاخذوا يضعون وينسبون له ما يظنون أنه يعلي من قدره العلمي وابن عباس كان من نسله الخلفاء العباسيون يتقرب إليهم بكثرة المروي عن جدهم. أنظر إلى ما روى ابن أبي حمزة عن علي: لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من أم القرآن الفاتحة لفعلت وما روي عن أبي الطفيل شهدت عليا يخطب وهو يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا اعلم أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل، ومجرد رواية هذين الحديثين يغني عن التعليق عليهما.
ونقول في هذا الكلام: أولا إنه جعل المروي عن ابن مسعود أكثر من المروي عن علي وقال إنه وضع على علي وابن عباس أكثر مما وضع على غيرهما وإذا كان ما وضع على علي أكثر مما وضع على ابن مسعود فكيف صار ما روي عن ابن مسعود أكثر مما روي عن علي وعلي أكثر ملازمة للنبي ص من ابن مسعود وكل واحد فلا بد أن تكون روايته عنه أكثر وإذا انضاف إليها ما وضع عليه بزعمه صار أكثر وأكثر فكيف صار ما رواه ابن مسعود أكثر؟ ما هذا إلا تناقض!.
ثانيا إذا كان الوضع على علي وابن عباس يكسب الموضوع ثقة وتقديسا لكونهما من بيت النبوة فأولى ان يضع الواضع على الرسول لأنه يكسب الموضوع ثقة وتقديسا أكثر وإذا كان الواضع ليس صحابيا يمكنه إسناد الحديث إلى الرسول ص بواسطة الصحابي.
ثالثا كما أن لعلي شيعة فلعثمان شيعة لا تقل عن شيعة علي فلم لم يضعوا وينسبوا إليه ما يظنون أنه يعلي من قدره العلمي؟
رابعا قدر علي العلمي علي بنفسه بما تواتر وشاع وذاع وملأ بطون الدفاتر لا يحتاج إلى أن يضع شيعته له ما يرفع من قدره وإنما يحتاج إلى ذلك من كان يرجع إلى علي في المشكلات.
خامسا ابن عباس صحب عليا وتخرج عليه وصحب النبي ص وأخذ عنه فإذا روي عنه في التفسير شئ كثير لم يكن مستبعدا ولا مستغربا حتى يدعى ان ذلك موضوع للعلة المذكورة.
سادسا علي باب مدينة علم الرسول ص فلا يستبعد منه ان يوقر سبعين بعيرا من تفسير الفاتحة وهي أم الكتاب والقرآن الكريم فيه تبيان كل شئ وهو قد ذكر سابقا (4) نقلا عن طبقات ابن سعد ان عليا كان يهتم بالقرآن ويعرف معانيه وفيم نزل حتى زعموا انه كتبه على تنزيله هذا مع شيوع المبالغة في لسان العرب.
سابعا قول علي لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم قد استفاض عنه وكذلك قوله سلوني عن كتاب الله الخ رواه أصحاب الاستيعاب والإصابة والاتقان وغيرهم كما يأتي في الجزء الثالث عند ذكر مناقبه وفضائله، والسنن لا ترد بهوى النفوس والاستنكار بلا مبرر وإذا كان علي قد لزم الرسول ص من طفولته إلى آخر عمر النبي ص فهل يستنكر ويستبعد ان يعلم كل آية أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل حتى يكون مجرد روايتها مغنيا عن التعليق عليها لولا العصبية والهوى؟.
وقال (5) نقلا عن ابن أبي الحديد ان الشيعة وضعت أحاديث في الفضائل عداوة لخصومهم فوضعت البكرية أحاديث في مقابلتها فلما رأت الشيعة ذلك أوسعوا في وضع الأحاديث فقابلتهم البكرية بمطاعن كثيرة في علي وولديه ولقد كان الفريقان في غنية عن ذلك ولقد كان في فضائل علي الثابتة الصحيحة وفضائل أبي بكر المحققة المعلومة ما يغني عن تكلف العصبية لهما.
ونقول: سواء أ كان ما أدعاه ابن أبي الحديد على الشيعة حقا أو باطلا فقد شاركتهم البكرية فيه وكون الشيعة هم المبتدئين بذلك يحتاج إلى تحقيق فعلي كان غنيا بفضائله باعتراف خصوم الشيعة انه لم يرد لأحد من الصحابة من الفضائل ما ورد له كما مر عن الإمام أحمد بن حنبل وغيره وبذلك يصعب التصديق بأنهم وضعوا أو ابتدأوا بالوضع مع ما ذكره (6) عن