مسلم بهذا الكتاب على علي فقام خطيبا وقال في جملة خطبته ان عثمان قتل مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا قتلته وأنت أميرنا فقال له علي اغد علي غدا فخذ جواب كتابك فجاء من الغد فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد وأخذوا ينادون كلنا قتلة ابن عفان وأذن لأبي مسلم فدخل على أمير المؤمنين ع فقال أبو مسلم قد رأيت قوما ليس لك معهم أمر قال وما ذاك قال بلغهم انك تريد قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا انهم كلهم قتلة عثمان فقال علي والله ما أردت ان أدفعهم إليك طرفة عين لقد ضربت هذا الأمر انفه وعينه ما رأيت ينبغي لي ان أدفعهم إليك ولا إلى غيرك وأعطاه جواب كتاب معاوية فخرج بالكتاب وهو يقول الآن طاب الضراب وكان الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان اما بعد فان أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه محمدا ص وما أنعم تعالى في نبيه محمد ص وفينا فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر والداعي مسدده إلى النضال وذكرت ان الله اجتبى له من المسلمين أعوانا فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فلعمر الله اني لأرجو إذا اعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الاسلام ونصيحتهم لله ورسوله ان يكون نصيبنا في ذلك الأوفر إن محمدا ص لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا أهل البيت أول من آمن به فلبثنا أحوالا محرمة وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل فمنعونا الميرة وامسكوا عنا العذب واحلسونا الخوف وجعلوا علينا الأرصاد والعيون واضطرونا إلى جبل وعر وأوقدوا لنا نار الحرب وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع إليهم النبي ص فيقتلوه ويمثلوا به فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم فعزم الله لنا على منعه والذب عن حوزته والرمي من وراء حرمته والقيام بأسيافنا دونه فاما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء فمنهم حليف ممنوع أو ذو عشيرة تدافع عنه وكان رسول الله ص إذا احمر الباس وأحجم الناس أقام أهل بيته فاستقدموا فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف فقتل عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد وجعفر يوم مؤتة وأراد من لو شئت ذكر اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي ص غير مرة إلا أن آجالهم عجلت ومنيته أخرت واما ما ذكرت من أمر عثمان فإنه عمل ما بلغك فصنع الناس به ما قد رأيت واما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فاني نظرت في هذا الأمر وضربت انفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ولا يكلفونك ان تطلبهم في بر ولا بحر ولا جبل ولا سهل.
ولما أراد أمير المؤمنين ع المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، قال المسعودي: وكان معه من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجل منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان تسعمائة وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة. فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه وقال اما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم مقاويل بالحق مباركو الفعل والأمر وقد أردنا المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم. فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فحمد الله وأثنى عليه فما هو أهله ثم قال: اما بعد يا أمير المؤمنين فانا بالقوم جد خبير هم لك ولأشياعك أعداء وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء وهم مقاتلوك ومجاهدوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا وضنا بما في أيديهم منها وليس لهم اربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان كذبوا ليس بدمه يثارون ولكن الدنيا يطلبون فسر بنا إليهم فان أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال وإن أبوا إلا الشقاق فذلك الظن بهم والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى أو يسمع إذا أمر. وقام عمار بن ياسر فذكر الله بما هو أهله وحمده وقال يا أمير المؤمنين إن استطعت ان لا تقيم يوما واحد فاشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى رشدهم وحظهم فان قبلوا سعدوا وان أبوا إلا حربنا فوالله ان سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وهو كرامة منه.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرج فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك والروم لأدهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد ص من المهاجرين والأنصار والتابعين باحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ونحن لهم فيما يزعمون قطين قال يعني رقيق فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام فقال اما اني عارف بفضلكم معظم لشأنكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب فقال بعضهم لبعض ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم فقالوا قم يا سهل بن حنيف فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت ورأينا رأيك ونحن كف يمينك وقد رأينا ان تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة فتامرهم بالشخوص وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك فإنهم هم أهل البلد وهم الناس فان استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب واما نحن فليس عليك منا خلاف متى دعوتنا أجبناك ومتى امرتنا أطعناك.
فجمع أمير المؤمنين ع أهل الكوفة وحرضهم وأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: سيروا إلى أعداء السنن والقرآن سيروا إلى بقية الأحزاب وقتلة المهاجرين والأنصار فقام رجل من بني فزارة اسمه أربد فقال أ تريد ان تسيرنا إلى اخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى اخواننا من أهل البصرة فقتلناهم كلا ها الله إذا لا نفعل ذلك. فقام الأشتر فقال من لهذا أيها الناس وهرب الفزاري واشتد الناس على اثره فلحق في مكان من السوق تباع فيه البراذين فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم حتى قتل فقيل يا أمير المؤمنين قتل الرجل قال ومن قتله قالوا همدان وفيهم شوبة من الناس فقال قتيل عمية لا يدري من قتله ديته من بيت مال المسلمين فقال علاقة التيمي:
- أعوذ بربي أن تكون منيتي * كما مات في سوق البراذين أربد - - تعاوره همدان خفق نعالهم * إذا رفعت عنه يد وضعت يد - وقام الأشتر فقال يا أمير المؤمنين لا يهلك ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن ان جميع من ترى من الناس شيعتك وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ولا يحبون بقاء بعدك فان شئت فسر بنا إلى عدوك والله ما ينجو من الموت من خافه ولا يعطي البقاء من أحبه وما يعيش بالآمال إلا شقي وانا لعلى بينة من ربنا ان نفسا لن تموت حتى يأتي اجلها فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين فأسخطوا الله واظلمت بأعمالهم الأرض وباعوا خلاقهم بعرض