معسكره فاقبل معاوية في جميع الفيلق فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي ع وغلب معاوية على الماء وحال بين أهل العراق وبينه وذهب شباب من الناس وغلمانهم يستقون فمنعهم أهل الشام فقال عبد بن عوف بن الأحمر لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا واسعا واخذوا الشريعة فهي في أيديهم وقد صف أبو الأعور عليها الخيل والرجالة وقدم الرامية ومنهم أصحاب الرماح والدرق وعلى رؤوسهم البيض وقد اجمعوا أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين ع فأخبرناه فدعا صعصعة بن صوحان فقال ائت معاوية فقل انا سرنا مسيرنا هذا وأنا أكره قتالكم قبل الاعذار إليكم وانك قد قدمت بخيلك تقاتلنا قبل ان نقاتلك وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك وهذه أخرى قد فعلتموها حلتم بين الناس وبين الماء فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم وإن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا فقال معاوية لأصحابه ما ترون قال الوليد بن عقبة أمنعهم الماء كما منعوه ابن عفان حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء ولين الطعام اقتلهم عطشا قتلهم الله قال عمرو بن العاص خل بين القوم وبين الماء فإنهم لن يعطشوا وأنت ريان ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم فأعاد الوليد مقالته وقال عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو أخو عثمان من الرضاعة أمنعهم الماء إلى الليل فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمتهم أمنعهم الماء منعهم الله إياه يوم القيامة فقال صعصعة إنما يمنعه الله يوم القيام الكفرة الفجرة شربة الخمر ضربك وضرب هذا الفاسق يعني الوليد بن عقبة فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فإنه رسول فقال صعصعة لمعاوية ما ترد علي قال سيأتيكم رأيي، فوالله ما راعانا الا تسوية الرجال والخيل والصفوف فأرسل إلى أبي الأعور أمنعهم الماء وقال السليل بن عمرو السكوني يخاطب معاوية:
- امنع الماء من صحاب علي * ان يذوقوه والذليل ذليل - - واقتل القوم مثلما قتل الشيخ * ظما والقصاص أمر جميل - - فامنع القوم ماءكم ليس للقوم * بقاء وإن يكن فقليل - فقال معاوية الرأي ما تقول ولكن عمرا لا يدعني فقال عمرو خل بينهم وبين الماء فان عليا لم يكن ليظما وأنت ريان وفي يده أعنة الخيل وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ومعه أهل العراق وأهل الحجاز وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول لو استمكنت من أربعين رجلا فذكر أمرا يعني لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت يعني بيت فاطمة، ذكر ذلك نصر في كتاب صفين وفرح أهل الشام بالغلبة على الماء فقال معاوية يا أهل الشام هذا والله الظفر لا سقاني الله ولا سقى أبا سفيان ان شربوا منه ابدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه وتباشر أهل الشام فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام يقال له المعري بن الأقبل الهمداني وكان ناسكا وكان له لسان وكان صديقا ومؤاخيا لعمرو بن العاص فقال يا معاوية سبحان الله ان سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعونهم عنه أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أ ما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير والضعيف ومن لا ذنب له هذا والله أول الجور لقد شجعت الجبان وبصرت المرتاب وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك فاغلظ له معاوية وقال لعمرو اكفني صديقك فاتاه عمرو فاغلظ له فقال الهمداني في ذلك:
- لعمرو أبي معاوية بن حرب * وعمرو ما لدائهما دواء - - سوى طعن يحار العقل فيه * وضرب حين تختلط الدماء - - فلست بتابع دين ابن هند * طوال الدهر ما ارسى حراء - - لقد ذهب العتاب فلا عتاب * وقد ذهب الولاء - - فلا ولاء وقولي في حوادث كل أمر * على عمرو وصاحبه العفاء - - الا لله درك يا ابن هند * لقد ذهب الحياء فلا حياء - - أ تحمون الفرات على رجال * وفي أيديهم الأسل الظماء - - وفي الأعناق أسياف حداد * كان القوم عندكم نساء - - فترجوا ان يجاوركم علي * بلا ماء وللأحزاب ماء - ثم سار الهمداني في سواد الليل فلحق بعلي. وبقي أصحاب علي ع يوما وليلة بغير ماء واغتم علي ع بما فيه أهل العراق من العطش فخرج نحو رايات مذحج وإذا رجل ينادي:
- أ يمنعنا القوم ماء الفرات * وفينا السيوف وفينا الحجف - - وفينا علي له صولة * إذا خوفوه الردى لم يخف - - فنحن الذين غداة الزبير * وطلحة خضنا غمار التلف - - فما بالنا أمس أسد العرين * وما بالنا اليوم شاء النجف - - فاما تحلوا بشط الفرات * ومنا ومنهم عليه الجيف - - واما تموتوا على طاعة * تحل الجنان وتحبوا الشرف - ومضى إلى راية كندة فإذا مناد ينادي إلى جنب منزل الأشعث ويقول:
- لئن لم يجل الأشعث اليوم كربة * من الموت فيها للنفوس تفتت - - فنشرب من ماء الفرات بسيفه * فهبنا أناسا قبل كانوا فموتوا - - فان أنت لم تجمع لنا اليوم امرنا * وتلقى التي فيها عليك التشتت - - فمن ذا الذي تثنى الخناصر باسمه * سواك ومن هذا إليه التلفت - - وهل من بقاء بعد يوم وليلة * نظل عطاشى والعدو يصوت - - وأنت امرؤ من عصبة يمنية * وكل امرئ من غصنه حين ينبت - فلما سمع الأشعث قول الرجل اتى عليا من ليلته فقال: يا أمير المؤمنين أ يمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ومعنا السيوف خل عنا وعن القوم فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت ومر الأشتر فليعل بخيله حتى آمره، فقال ذاك إليك فرجع الأشتر فنادى في الناس من كان يريد الموت أو الماء فميعاده الصبح فاني ناهض إلى الماء فاتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجل وشد عليه سلاحه وهو يقول:
- ميعادنا اليوم بياض الصبح * هل يصلح الزاد بغير ملح - - لا لا ولا أمر بغير نصح * دبوا إلى القوم بطعن سمح - - لا صلح للقوم وأين صلحي * حسبي من الاقحام قاب رمح - فلما أصبح الأشعث دب في الناس وسيوفهم على عواتقهم وجعل يلقي رمحه ويقول بأبي أنتم وأمي تقدموا قاب رمحي فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم وحسر عن رأسه ونادى انا الأشعث بن قيس خلوا عن الماء فنادى أبو الأعور السلمي اما والله لا حتى تأخذنا وإياكم السيوف فقال الأشعث قد والله أظنها دنت منا وحمل عبد الله بن عوف بن الأحمر وكان من فرسان علي ع فجعل يضربهم بالسيف وهو يقول:
- خلوا لنا عن الفرات الجاري * أو أثبتوا للجحفل الجرار -