ما جاء في تترسه بالباب وقلعه باب الحصن كان اسم الحصن القموص وكان أعظم حصون خيبر وكان منبعا وكان اليهود قد خندقوا على أنفسهم كأنهم تعلموا ذلك من يوم الأحزاب فان الخنادق لم تكن معروفة عند العرب وتدل الروايات على أن عليا ع تترس بباب عظيم كان عند الحصن من خشب أو حديد لما سقط ترسه من يده وانه قلع باب الحصن ودخله وهو أعظم من الباب الذي تترس به روى ابن هشام عن ابن إسحاق والطبري عن ابن حميد عن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن الحسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله ص قال خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله ص برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطاح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرع فقد رأيتني في نفر سبعة إناثا منهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه وفي السيرة الحلبية فحمل مرحب على علي وضربه فطرح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده وراء ظهره ثمانين شبرا قال الراوي فجهدت انا وسبعة نفر على أن نقلب ذلك الباب فلم نقدر اه وهذا الباب غير باب الحصن بل هو باب أصغر منه كان ملقى عند الحصن اخذه علي فتترس به ويوشك ان يكون وقع هنا اشتباه من صاحب السيرة الحلبية في قوله ثم ألقاه وراء ظهره ثمانين شبرا لأن ذلك وارد في باب الحصن لا في الباب الذي تترس به فان الروايات الآتية الواردة في قلع الباب تدل على أنه رمى باب الحصن خلفه أربعين ذراعا والأربعون ذراعا هي ثمانون شبرا. وقال دحلان في سيرته حمل مرحب على علي وضربه فطرح ترسه من يده فتناول علي ترسا بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده وراء ظهره وكان طول الباب ثمانين شبرا ولم يحركه بعد ذلك سبعون رجلا إلا بعد جهد اه وهذا الاختلاف بين نقل السيرة الحلبية وسيرة دحلان يدل على عدم التحرير والضبط فالحلبية تقول ألقاه وراء ظهره ثمانين شبرا ودحلان يقول كان طول الباب ثمانين شبرا والحلبية تقول إن ثمانية نفر لم يقدروا على قلبه ودحلان يقول لم يحركه سبعون إلا بعد جهد ويوشك ان يكون عدد السبعين واردا في باب الحصن لا في الباب الترس. أما ما جاء في باب الحصن ففي بعض الروايات ان عليا ع تترس به أيضا وفي بعضها أنه جعله بعد الفتح جسرا وفي بعضها انه دحا به خلفه أربعين ذراعا وفي بعضها انه كان من حجر قال المفيد: لما قتل علي ع مرحبا رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه فصار إلى الباب فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق فاخذ علي ع باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا فظفروا بالحصن وغنموا الغنائم فلما انصرفوا من الحصن اخذه بيمناه فاحا به أذرعا من الأرض وكان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم اه.
وهذا يدلنا على أن مرحبا كان قد خرج من الحصن ومعه جماعة ليقاتل وإذا كان الحصن حوله خندق كما مر فلا بد ان يكون مرحب ومن معه عبروا على جسر خشبي صغير عند باب الحصن فوق الخندق كما هو الشأن في الخنادق التي حول الحصون والمدن فلما قتل مرحب وعاد من معه هاربين إلى الحصن عبروا على ذلك الجسر فيمكن ان يكونوا رفعوه لما دخلوا الحصن فأعاده علي ومن معه وعبروا عليه ويمكن ان يكون علي قد أعجلهم عن رفعه فعبر عليه هو ومن معه ومثل هذا الجسر يكون عادة صغيرا لا يكفي إلا لعبور النفر القليل في دفعة واحدة فلذلك لما قلع باب الحصن جعله جسرا على الخندق ليعبر عليه أكثر من معه الذين كانوا خارج الخندق ولم يعبر معه منهم إلا القليل لضيق الطريق. وقال دحلان: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن جابر ان عليا حمل الباب يوم خيبر وانه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا رواه البيهقي وفي رواية للبيهقي إن عليا لما انتهى إلى الحصن المسمى القموص اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض فاجتمع عليه بعده سبعون رجلا فكان جهدهم ان أعادوا الباب مكانه وجمع بين روايتي السبعين والأربعين بان الأربعين عالجوا حمله فما قدروا فتكاملوا سبعين فحملوه وعن الحافظ ابن حجر انه جمع بين الرواية السابقة لقد رأيتني في سبعة نفر الخ وبين رواية الأربعين ان السبعة عالجوا قلبه والأربعين عالجوا حمله والفرق بينهما ظاهر اه ولكن رواية السبعة واردة في الباب الترس والأربعين في باب الحصن فلا حاجة إلى الجمع. ثم إن في بعض الروايات ان عليا ع لما حمل باب الحصن ووضعه على الخندق جسرا للعبور قصر فامسكه بيده حتى عبر عليه الناس ولم أجد هذه الرواية الآن لابين محل ذكرها وإليها يشير الحاج هاشم الكعبي بقوله:
- وجعلته جسرا فقصر فاغتدت * طولى يمينك جسرها الممدودا - وقال الراوندي في الخرائج إن النبي ص دفع الراية إلى علي ع فاخذها وسار بها المسلمون خلفه حتى وافى باب الحصن فاستقبله حماة اليهود وفي أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا فحمل عليهم فانهزموا بين يديه ودخلوا الحصن وردوا بابه وكان الباب حجرا منقورا في صخر والباب من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحى وفي وسطه ثقب لطيف فرمى أمير المؤمنين ع بقوسه من يده اليسرى وجعل يده اليسرى في ذلك الثقب الذي في وسط الحجر دون اليمنى لأن السيف كان في يده اليمنى ثم جذبه إليه فانهار الصخر المنقور وصار الباب في يده اليسرى فحملت عليه اليهود فجعل ذلك ترسا له وحمل عليهم فضرب مرحبا فقتله وانهزم اليهود من بين يديه فرمى عند ذلك الحجر بيده اليسرى إلى خلفه فمر الحجر الذي هو الباب على رؤوس الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر قالوا فذرعنا المسافة التي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعا ثم اجتمعنا على ذلك الباب لنرفعه من الأرض وكنا أربعين رجلا حتى تهيا لنا ان نرفعه قليلا من الأرض اه. وفي السيرة الحلبية عن الأمتاع انه ذكر جملة ممن خرج حديث باب خيبر من الحفاظ ردا على من قال إنه لا أصل له اه وقد امتاز أمير المؤمنين ع في هذه الغزوة كغيرها من الغزوات بأمور لم يشاركه فيها غيره وهي مستفادة من مجموع ما مر:
1 انه كان صاحب الراية فيها كسائر الغزوات وإنما اخذها غيره لما كان أرمد فلما عادوا منهزمين واحد بعد واحد وشفاه الله تعالى من الرمد ببركة الرسول ص كان هو صاحبها.
2 قول النبي ص لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار يفتح الله على يديه.
3 انه به كشفت الشدة والهم والجهد عن رسول الله ص وعن المسلمين لما