وكان حمزة أطول من عتبة فقال علي يا عم طأطئ رأسك فادخل حمزة رأسه في صدر عتبة فضرب علي عتبة فطرح نصفه فكانت ضربته هذه من الضربات التي إذا اعترض بها قط. وأما عبيدة وشيبة فاختلفا ضربتين فضربه عبيدة على رأسه ضربة فلقت هامته وضربه شيبة على ساقه فقطعها وسقطا جميعا وكر حمزة وعلي على شيبة فاجهزا عليه وحملا عبيدة إلى المعسكر. وذلت قريش بمقتل هؤلاء الثلاثة وظهرت امارات النصر للمسلمين عليهم وقد قتل علي أحدهم وشرك في قتل الباقين وإلى ذلك وأمثاله يشير أمير المؤمنين ع في بعض خطبه بقوله: وكان رسول الله ص إذا احمر الباس وأحجم لناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف فقتل عبيدة يوم بدر وقتل حمزة يوم أحد وقتل جعفر يوم مؤتة وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة ولكن آجالهم عجلت ومنيته أجلت وإلى ذلك وغيره تشير الزهراء ع بقولها في بعض خطبها السابقة: فأنقذكم الله بأبي بعد اللتيا والتي بعد ان مني بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مجدا كادحا وأنتم في بلهنية من العيش وادعون فاكهون آمنون تنكصون عند النزال وتفرون من القتال. وروى الحاكم في المستدرك وقال صحيح ولم يخرجاه وصححه الذهبي في التلخيص عن علي قال نزلت هذان خصمان اختصموا في ربهم في الذين بارزوا يوم بدر حمزة بن عبد المطلب وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة قال علي وانا أول من يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة وروى المفيد في الارشاد بسنده عن أبي جعفر ع في حديث قال: قال أمير المؤمنين ع اقبل إلي حنظلة بن أبي سفيان فلما دنا مني ضربته ضربة بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض قتيلا. واقبل العاص بن سعيد ابن العاص يبحث للقتال فبارزه علي فقتله بعد ما أحجم عنه غيره.
روى المفيد في الارشاد بسنده عن صالح بن كيسان ان ابنه سعيد بن العاص دخل على عمر في خلافته فجلس ناحية قال سعيد فنظر إلي عمر وقال ما لي أراك كان في نفسك علي شيئا أ تظن اني قتلت أباك والله لوددت اني كنت قتلته ولو قتلته لم اعتذر من قتل كافر ولكني مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فهبته ورغت عنه فقال لي إلى أين يا ابن الخطاب وصمد له علي فتناوله فوالله ما رمت مكاني حتى قتله وكان علي حاضرا في المجلس فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه ومحا الاسلام ما تقدم فما لك تهيج الناس علي فكف عمر فقال سعيد أما أنه ما كان يسرني ان يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب. وقال الواقدي فيما حكاه ابن أبي الحديد: اقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال فالتقى هو وعلي ع فقتله علي ع فكان عمر بن الخطاب يقول لابنه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ما لي أراك معرضا أ تظن اني قتلت أباك فقال سعيد لو قتلته لكان على الباطل وكنت على الحق الخبر وقال ابن أبي الحديد ونقلت من غير كتاب الواقدي أن عثمان بن عفان وسعيد بن العاص حضرا عند عمر في خلافته فجلس سعيد بن العاص حجزة فنظر إليه عمر فقال:
ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك اني أ لم اقتله ولكن قتله أبو حسن وكان علي حاضرا فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه ومحا الاسلام ما قبله فلما ذا تهاج القلوب فسكت عمر وقال سعيد لقد قتله كفؤ كريم وهو أحب إلي من أن يقتله من ليس من بني عبد مناف اه وسعيد بن العاص هذا هو والد عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق الذي كان عاملا على المدينة من قبل يزيد بن معاوية يوم قتل الحسين ع ولما أخبر بقتله وسمع واعية بني هاشم ضحك وتمثل بقول عمرو بن معديكرب الزبيدي:
- عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب - قال الواقدي ولما رأت بنو مخزوم مقتل من قتل قالوا أبو الحكم لا يخلص إليه يعنون أبا جهل فأحدقوا به والبسوا لامته عبد الله بن المنذر فصمد له علي فقتله وهو يراه أبا جهل ومضى وهو يقول انا ابن عبد المطلب ثم البسوها حرملة بن عمرو فصمد له علي فقتله ثم أرادوا أن يلبسوها خالد بن الأعلى فأبى وقال رسول الله ص اللهم اكفني نوفل بن العدوية وهو نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى فاسره جبار بن صخر ورأى عليا مقبلا نحوه فقال لجبار من هذا واللات والعزى اني لأرى رجلا يريدني قال هذا علي بن أبي طالب فصمد له علي فضربه فنشب سيفه في حجفته فزعه وضرب به ساقيه فقطعهما ثم اجهز عليه فقتله فقال رسول الله ص من له علم بنوفل بن خويلد قال علي أنا قتلته فكبر رسول الله ص وقال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه. وروى محمد بن إسحاق أن طعيمة بن عدي قتله علي بن أبي طالب شجرة بالرمح فقال والله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبدا ثم قال وقيل قتله حمزة اه وروى الواقدي ما يقتضي انه اشترك في قتله علي وحمزة قال الواقدي: كان علي ع يحدث فيقول اني يومئذ بعد ما متع النهار (1) ونحن والمشركون قد اختلطت صفوفنا وصفوفهم خرجت في أثر رجل منهم فإذا رجل من المشركين على كثيب رمل وسعد بن خيثمة وهما يقتتلان حتى قتل المشرك سعد بن خيثمة والمشرك مقنع في الحديد وكان فارسا فاقتحم عن فرسه فعرفني وهو معلم فناداني هلم يا ابن أبي طالب إلى البراز فعطفت عليه فانحط إلي مقبلا وكنت رجلا قصيرا فانحططت راجعا لكي ينزل إلي كرهت أن يعلوني فقال يا ابن أبي طالب فررت فقلت قريبا مفر ابن الشتراء (2) فلما استقرت قدماي وثبتت اقبل فلما دنا مني ضربني فاتقيت بالدرقة فوقع سيفه فلحج (3) فاضربه على عاتقه وهو دارع فارتعش ولقد قط سيفي درعه فظننت ان سيفي سيقتله فإذا بريق سيف من ورائي فطأطأت رأسي ويقع السيف فاطن قحف رأسه بالبيضة وهو يقول خذها وانا ابن عبد المطلب فالتفت من ورائي فإذا هو عمي حمزة والمقتول طعيمة بن عدي اه فإذا كان علي ضربه على عاتقه وقط سيفه درعه فهو قد أشرف به على الموت ولذلك قال فظننت ان سيفي سيقتله ثم أكمل قتله حمزة فأطار قحف رأسه وبذلك يجمع بين القول بأنه قتله علي والقول بأنه قتله حمزة وأما أن عليا شجره بالرمح فيمكن أن يكون جمع بين شجره بالرمح وضربه بالسيف. قال المفيد: وقد أثبت رواة العامة والخاصة معا أسماء الذين تولى أمير المؤمنين قتلهم ببدر من المشركين على اتفاق فيما نقلوه من ذلك فكان ممن سموه.
1 الوليد بن عتبة وكان شجاعا جريئا وقاحا تهابه الرجال 2 العاص بن سعيد بن العاص وكان هولا عظيما تهابه الابطال وهو الذي حاد عنه عمر كما مر 3 طعيمة بن عدي بن نوفل وكان من رؤوس أهل