فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي.
قال وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وأهل بيته وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي ع فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة وكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي ع فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وكتب إليهم أن انظروا من كان قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجئ أحد من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا يتركوا خبرا يرويه الناس في أبي تراب إلا وائتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا أحب إلي وأقر لعيني وادحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر والقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة حتى أن الرجل من شيعة علي ع ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي ع فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا خائف على دمه أو طريد في الأرض ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين ع وولي عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه أهل النسك والصلاح ببغض علي ع وموالاة أعدائه فأكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من الغض من علي ع وعيبه والطعن فيه والشنان له حتى أن إنسانا وقف للحجاج ويقال أنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب فصاح به أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني عليا وإني فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له الحجاج وقال للطف ما توسلت به وقد وليتك موضع كذا وروى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وإعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم انتهى.
ومما فعله معاوية بعد عام الجماعة بشيعة علي ع بعد ما أمنهم وأعطى على نفسه العهود في كتاب الصلح بينه وبين الحسن ع أن لا يتعرض لهم بسوء أنه أرسل إلى زياد بعد ما ولاه الكوفة والبصرة أن يبعث إليه عبد الله بن هاشم المرقال وأن يحلق رأسه ويلبسه جبة شعر ويقيده ويغل يديه بغل إلى عنقه ويحمله على قتب بعير بغير وطاء ولا غطاء ففعل به زياد ذلك وانفذه إليه فوصله وقد غيرت الشمس وجهه ولقي تعبا كثيرا وكان من أمره معه ما هو معروف.
وطلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراع منه فأرسل إلى امرأته آمنة بنت الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم إن عبد الرحمن بن الحكم ظفر بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه إلى معاوية وهو أول رأس حمل في الاسلام فبعث بالرأس إلى زوجته آمنة وهي في السجن وأمر أن يطرح في حجرها.
وأرسل إليه زياد وهو على الكوفة حجر بن الأدبر الكندي ومعه ثلاثة عشر رجلا من أصحابه مسلسلين فحبسوا بمرج عذرا قرب دمشق فتشفع أصحاب معاوية في ستة منهم فاطلقوا وتشفع بعضهم في حجر فلم يطلقه وكان حجر من الصحابة وممن شهد فتح عذرا وطلب اثنان منهم أن يرسلوهما إلى معاوية فقال لأحدهما أ تبرأ من دين علي الذي يدين الله به فسكت فشفع فيه بعض الحاضرين فنفاه إلى الموصل وقال للآخر ما تقول في علي قال أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا من الآمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس فرده إلى زياد وأمره أن يقتله شر قتلة فدفنه حيا وأرسل ريجر وباقي أصحابه هدبة القضاعي ورجلين معه فقالوا إنا أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم فأبوا فحفرت لهم القبور وأحضرت الأكفان وقتل عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي من أصحاب حجر وقال حجر لا تحلوا قيودي فاني اجتمع أنا ومعاوية على هذه المحجة ثم قال لهدبة إن كنت أمرت بقتل ولدي فقدمه فضربت عنقه فقيل له تعجلت الثكل فقال خفت أن يرى ولدي هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية علي ثم قتل حجر وباقي أصحابه، ذكر ذلك مفصلا المرزباني في تلخيص أخبار شعراء الشيعة كما وجدناه في قطعة منه مخطوطة وذكره غيره من المؤرخين.
وجرى على الحسن بن علي ع بعد قتل أبيه من خذلان الناس له وتجرئهم عليه ونقضهم لعهده ما الجاه إلى مصالحة معاوية الذي لم يف بشئ من شروط الصلح ثم قتله بالسم.