ادرجوها في فرق الشيعة لم نسمع بها من غيرهم وبالغوا في تكثير فرقها حتى قال بعضهم ان الثلاثة والسبعين فرقة أكثرها من الشيعة وكأنهم لما نقص عليهم العدد اضطروا إلى اختراع فرق لا وجود لها ووضعوا لها أسماء من عندهم كما سنبرهن على ذلك مع أن المقريزي الذي زعم أن فرقها بلغت الثلاثمائة لم يستطع ان يعد منها غير عشرين زعم أنها المشهور، على أننا سنثبت أن جملة من هذه العشرين مختلق مخترع، وإننا وأيم الله لنتحامى ونتجافى عن كل ما يستشم منه التحيز ونبتعد جهدنا عن الرد والنقض ما أمكن ولكن ما نصنع وقد طبع من هذه الكتب الألوف وانتشرت في الآفاق وقرأها العام والخاص واعتقدها الكثيرون صوابا حتى وصلت إلى أهل هذا الزمان أمثال الرافعي وغيره وبنوا عليها القصور والعلالي وأودعوها مؤلفاتهم وتصدوا لذم الشيعة فيها لمناسبة وغير مناسبة وأنكروا كل فضيلة لهم لأجل هذه النسب الباطلة فالضرورة وواجب الدين وتمحيص الحق والمحاماة عنه المفروضة توجب علينا بيان ما فيها من الباطل لا سيما إن السكوت عنها يعد كالاقرار بها سائلين من خلص اخواننا الساعين في تاليف الكلمة أن يقبلوا عذرنا في ذلك.
قال المقريزي في خططه: إن فرق الرافضة بلغت ثلثمائة والمشهور منها عشرون وهي الامامية. أقول مع أن جل هذه الفرق التي ذكرها هو وغيره لا يعرف لأسمائها مسميات حتى في عصر ناقلها فهي اما منقرضة أو لم توجد في الدنيا فوجودها وعدمها لا يضرنا بعد ما كانت طائفتنا الامامية الاثنا عشرية الجعفرية منزهة عما زعم فيها. إنما نريد أن نلفت الأنظار إلى جملة منها نسبت عقائدها إلى أجلاء أصحاب أئمة أهل البيت وثقاتهم المنزهين في عقائدهم مما نسب إليها وذلك دليل على أنها مختلقة مكذوبة بدون شك.
منها الزرارية قال المقريزي: وقالت الزرارية اتباع زرارة بن أعين: الامام بعد جعفر ابنه عبد الله إلا أنه سأله عن مسائل فلم يمكنه الجواب عنها فادعى امامة موسى بن جعفر من بعد أبيه. ثم قال بعد نحو من ورقة والفرقة العاشرة الزرارية اتباع زرارة بن أعين أحد الغلاة في الرفض وزعم مع ذلك إن الله تعالى لم يكن في الأول عالما ولا قادرا حتى اكتسب لنفسه جميع ذلك وعد من فرق المشبهة.
الهشامية قال: أتباع هشام بن الحكم ويقال لهم أيضا الحكمية ومن قولهم: الاله تعالى كنور السبيكة الصافية يتلألأ من جوانبه. قال والجولقية أتباع هشام بن سالم الجولقي وهو من الرافضة أيضا ومن شنيع قوله أن الله تعالى على صورة الإنسان نصفه الأعلى مجوف ونصفه الأسفل مصمت وليس بلحم ودم بل هو نور ساطع وله خمس حواس كحواس الإنسان ويد ورجل وفم وعين وأذن وشعر اسود ثم قال: والفرقة التاسعة الهشامية وهم صنفان: أحدهما اتباع هشام بن الحكم. والثاني اتباع هشام الجولقي وهما يقولان لا تجوز المعصية على الامام وتجوز على الأنبياء وإن محمدا عصى ربه في أخذ الفداء من اسرى بدر. قال:
والمفضلية أتباع المفضل بن عمر قالت الامام بعد جعفر ابنه موسى وإنه مات فانتقلت الإمامة إلى ابنه محمد بن موسى. قال:
واليونسية اتباع يونس بن عبد الرحمن القمي وكلهم من الروافض. ثم قال والخامسة عشرة اليونسية اتباع يونس بن عبد الرحمن القمي أحد الغلاة المشبهة، فجعله تارة ابن عبد الرحمن وتارة ابن عبد الله والصواب ابن عبد الرحمن والتعدد معلوم العدم. قال:
والسابعة عشرة الشيطانية اتباع محمد بن النعمان شيطان الطاق وقد شارك المعتزلة والرافضة في جميع مذهبهم وانفرد بأعظم الكفر قاتله الله وهو أنه زعم أن الله لا يعلم الشئ حتى يقدره وقبل ذلك يستحيل علمه.
وقال عند ذكر فرق المعتزلة: والفرقة العشرون من المعتزلة الشيطانية أتباع محمد بن نعمان المعروف بشيطان الطاق وهو من الروافض شارك كلا من المعتزلة والروافض في بدعهم وقلما يوجد معتزلي إلا وهو رافضي، انفرد بطامة وهي أن الله لا يعلم الشئ إلا ما قدره وأراده وأما قبل تقديره فيستحيل أن يعلمه ولو كان عالما بأفعال عباده لاستحال أن يمنحنهم ويختبرهم اه.
قال المؤلف: إن زرارة بن أعين والهشامين ويونس بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق كلهم ثقات صحيحو العقيدة متكلمون حذاق من أجلاء تلاميذ وأصحاب الامامين جعفر بن محمد الصادق وابنه موسى بن جعفر الكاظم ع وعنهما أخذوا ومنهما تعلموا وبهما اقتدوا في كل علم لا سيما وصف الباري تعالى بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص وعصمة سيد الأنبياء ص، لا يمكن أن يعتقدوا أمثال هذه الخرافات في حقه تعالى ولا في حق نبيه ص وقد أخذوا عقائدهم عن أئمة أهل البيت الطاهر معادن العلم والحكمة ولم ينقل عنهم هذه الخرافات ناقل يوثق به فما نسب إليهم محض افتراء واختلاق وتأتي تراجمهم في أبوابها وهم مترجمون في كتب رجال الشيعة بكل وصف جميل وهم إمامية اثنا عشرية ليس لهم مذهب ولا نحلة خاصة سوى ذلك ولا أتباع ينسبون إليهم. مع أن كلامه في حق زرارة يناقض بعضه بعضا فإذا كان زرارة سال عبد الله عن مسائل عجز عن جوابها فقال بامامة أخيه الكاظم دونه فكيف يكون صاحب مذهب ونحلة في عبد الله وله اتباع ينسبون إليه وهذا لو وقع لكان قبل اعتقاده بإمامته بان يكون سأله ليعرف مبلغ علمه فكيف يكون صاحب مذهب ونحلة فيه وله اتباع ينسبون إليه. والذي زعم أنها تنسب إليه الشيطانية التي لم يخلقها الله تعالى هو من أصحاب الإمام موسى الكاظم لقب بشيطان الطاق لأنه كان صيرفيا بطاق المحامل في الكوفة كان يرجع إليه في النقد فيخرج كما ينقد فيقال شيطان الطاق مبالغة في حذقه، وأصحابه يلقبونه مؤمن الطاق وله من الامام أبي حنيفة نوادر مذكورة، وأما جعله رئيسا لفرقة من المعتزلة تنسب إليه فطريف جدا وفيه من الخبط والخلط ما لا يخفى كقوله قلما يوجد معتزلي الا وهو رافضي، فالرجل امامي اثنا عشري وأين الامامي من المعتزلي وإن وافقت المعتزلة الإمامية في بعض العقائد إلا أنها تخالفها في أكثر الأصول والفروع وتوافق الأشاعرة في الأصول والفروع أكثر من موافقتها للامامية ولكن عدم المبالاة بالكذب والاختلاق يجر إلى أكثر من هذا ولا شئ أعجب من جرأته على هذا الرجل العظيم بالشتم والنسبة إلى أعظم الكفر بدون مبرر إلا قلة الحياء ورقة الدين. وأما المفضل بن عمر فاختلف أصحابنا في وثاقته وعدمها بل في صحة عقيدته وعدمها ونسب إلى الغلو بل قيل إنه كان خطابيا فمن زعم عدم وثاقته لم يقبل روايته ومن زعم فساد عقيدته بالغلو تبرأ منه وهذا دأب أصحابنا مع كل غال وهو مما نفاخر به وكيف كان فليس له اتباع ينسبون إليه على أن الذي رجحه المحققون من أصحابنا وثاقته وبراءته من الغلو.