ومؤمن الطاق وغيرهم العظائم وهم منها براء كما مر بيانه مفصلا في البحث الأول.
الرابع تجاوز بعضهم الحد في هذه الاعصار فزعم أن الشيعة جمعية سياسية وطريقتها ليست مذهبا من المذاهب، فيا لله للعجب كيف تكون جمعية سياسية من لها مذهب مدون في الأصول والفروع وكتب مؤلفة في ذلك لا تعد ولا تحصى فيها الحجج والبراهين على معتقداتها وفيها الفقه من الطهارة إلى الديات ولها المؤلفات الكثيرة التي لا تحصى في الأصولين أصول الدين وأصول الفقه وسائر فنون الاسلام فما هذا الزعم الا هذر.
الخامس ذكر المقريزي في خططه ما يفهم منه أن أصل التشيع مأخوذ من مقالة عبد الله بن سبا حيث قال: وحدث في زمن الصحابة ر ض مذهب التشيع لعلي بن أبي طالب والغلو فيه فلما بلغه ذلك أنكره وحرق بالنار جماعة ممن غلا فيه وانشد:
- لما رأيت الأمر أمرا منكرا * أججت ناري ودعوت قنبرا - وقام في زمنه عبد الله بن وهب بن سبا المعروف بابن السوداء السبائي وأحدث القول بوصية رسول الله ص لعلي بالإمامة والقول برجعة علي بعد موته وبرجعة رسول الله ص وإن عليا لم يقتل وأنه حي وأن فيه الجزء الإلهي وإنه يجئ في السحاب والرعد صوته والبرق سوطه وأنه لا بد أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلا. قال ومن ابن سبا تشعب أصناف الغلاة من الرافضة وصاروا يقولون بالوقف يعنون ان الإمامة موقوفة على أناس معنيين كقول الامامية بأنها في الأئمة الاثني عشر والإسماعيلية بأنها في ولد إسماعيل وعنه أخذوا القول برجعة الامام بعد الموت إلى الدنيا كما اعتقده الامامية إلى اليوم في صاحب السرداب وهو القول بتناسخ الأرواح وعنه أخذوا القول بان الجزء الإلهي يحل في الأئمة بعد علي وإنهم بذلك استحقوا الإمامة بطريق الوجوب كما أستحق آدم سجود الملائكة وعلى هذا الرأي كان اعتقاد دعاة الخلفاء الفاطميين بمصر اه.
أقول فيه من الخبط والكذب والبهتان ما لا يخفى أما قوله أن مذهب التشيع لعلي حدث في زمن الصحابة فباطل بل هو موجود من زمن النبي ص كما عرفت في البحث الأول من أن الحسن بن موسى النوبختي ذكره في كتاب الفرق والمقالات وأن أبا حاتم السجستاني ذكره في كتاب الزينة، بل أن النبي ص هو باذر بذره الأول ونكتفي في ذلك بايراد كلام للفاضل المعاصر الشيخ محمد حسين الجعفري النجفي في رسالته أصل الشيعة وأصولها فإنه كاف واف في هذا المقام قال ما حاصله: أول من وضع بذر التشيع في حقل الاسلام هو صاحب الشريعة الاسلامية ص أي أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنبا إلى جنب ولم يزل باذرها يتعاهدها حتى نمت وأزهرت في حياته وأثمرت بعد وفاته وشاهدي أحاديث علماء السنة وأعلامهم مثل ما رواه السيوطي في الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور في تفسير أولئك هم خير البرية قال: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي فاقبل علي ع فقال النبي ص والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية. وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال رسول الله ص لعلي أنت وشيعتك يوم القيامة راضون مرضيون. وأخرج ابن مردويه عن علي ع قال لي رسول الله ص أ لم تسمع قول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين. انتهى الدر المنثور وروى بعض هذه الأحاديث ابن حجر في صواعقه عن الدارقطني. وحدث أيضا عن أم سلمة أن النبي ص قال يا علي أنت وأصحابك في الجنة أنت وشيعتك في الجنة وفي نهاية ابن الأثير ما نصه في مادة قمح وفي حديث علي ع قال له النبي ص ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين ثم جمع يديه إلى عنقه يريهم كيف الاقماح اه وروى الزمخشري في ربيع الأبرار عن النبي ص إنه قال يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله تعالى واخذت أنت بحجزتي وأخذ ولدك بحجزتك وأخذ شيعة ولدك بحجزهم فترى أين يؤمر بنا، ثم إن صاحب الشريعة لم يزل يتعاهد تلك البذرة بالماء النمير العذب من كلماته في أحاديث مشهورة عند أئمة الحديث من علماء السنة فضلا عن الشيعة وأكثرها مروي في الصحيحين مثل: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى. ومثل: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. وحديث الطائر: اللهم أئتني بأحب خلقك إليك. لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله. إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي. علي مع الحق والحق مع علي إلى غير ذلك. انتهى ما أردنا نقله من الرسالة فلنعد إلى كلام المقريزي فنقول: وأما الغلو في أمير المؤمنين ع بدعوى الإلهية من ابن سبا فإذا صح لا ينبغي أن يعد ذلك تشيعا لأنه خروج عن الاسلام وأما القول بالوصية له بالإمامة فلم يحدثه ابن سبا المزعوم سل كل من دعا إلى إمامته بعد وفاة النبي ص كان يرى ذلك وكل من حضر يوم الغدير كان يعلمه. وإما الرجعة ففيها اخبار فمن صحت عنده لزمه القول بها، ومن لا فلا. وأما ان الإمامة موقوفة على أناس معينين فلا يختص بالشيعة بل قال ذلك جميع المسلمين فقد اتفقوا على وجوب كون الامام من قريش ففي العقائد النسفية ويكون الامام من قريش ولا يجوز من غيرهم ولا يختص ببني هاشم. وقال سعد الدين التفتازاني في شرحه: يعني يشترط ان يكون الامام قرشيا لقوله ع الأئمة من قريش وهذا وأن كان خبر واحد لكن لما رواه أبو بكر محتجا به على الأنصار ولم ينكره أحد فصار مجمعا عليه لم يخالف فيه إلا الخوارج وبعض المعتزلة اه ويأتي ذلك مفصلا في البحث الثامن وكل ذلك يدل على أن الإمامة موقوفة على أناس معينين فيلزم على قول المقريزي ان يكون المهاجرون الذين احتجوا بذلك على الأنصار يوم السقيفة وأن يكون المسلمون كلهم أخذوا هذا الأصل الديني من ابن سبا لا خصوص الامامية وقوله كما اعتقده الإمامية في صاحب السرداب طريف جدا فاللامامية لا تعتقد أنه في السرداب ولا انه مات ثم يرجع إلى الدنيا. والمهدي المنتظر متفق عليه بين جميع المسلمين وانما اختلفوا في التفاصيل. وأما قوله: وهو القول بتناسخ الأرواح فأطرف واطرف، إذ يلزم على قياس قوله إن يكون اعتقاد المسلمين وغيرهم بالمعاد الجسماني قولا بتناسخ الأرواح، وأما القول بحلول الجزء الإلهي في أي بشر كان فهو كفر عند الإمامية الاثني عشرية سواء أ أخذ ذلك عن ابن سبا أم كان مبتكرا ابتكارا كما إن من قال أن استحقاق الإمامة بذلك لو فرض وجود القائل به مخطئ ولكن هذه الدعوى بهت وافتراء فإننا لم نسمع هذا القول من أحد ولم ينقله ناقل، وأصحابنا يقولون إن استحقاقها بالنص. وإما أن دعاة الخلفاء الفاطميين بمصر كان اعتقادهم