وجود الإرادة والكراهة في النفس في أن واحد مع اختلاف متعلقيهما.
ولا من ناحية متعلقهما، لان متعلقهما ليس هو الفعل الخارجي، بل هو الوجود الفرضي العنواني، وذلك لان ما كان في أفق النفس يستحيل ان يتقوم بما هو خارج عن أفق النفس، وإلا لزم انقلاب ما في النفس إلى الخارج كما أنه يحدث الشوق ومتعلقه غير موجود خارجا، بل لا يمكن حصوله كالشوق إلى المحال، وحينئذ فلا يتحقق التضاد لأنه في الصفات العارضة على الموجودات الخارجية كما أشرنا إليه (1).
وأنت بعد أن عرفت وقوع التضاد في منشأ الإرادة والكراهة تعرف إننا في غنى عن تحقيق ما أفاده (قدس سره) نفيا أو اثباتا، إذ لا تصل النوبة أصلا إلى اجتماع الإرادة والكراهة كي يبحث في امكان اجتماعهما في شئ واحد وعدمه، لأنه لا يمكن تحقق منشئهما في آن واحد كما عرفت. وعليه فلا يمكن تحقق الإرادة والكراهة لفعل واحد باعتبار استحالة منشاء كل منهما معا ويمتنع تحققهما من دون منشاء فالتضاد في هذه المرحلة بهذا المعنى متحقق أيضا.
واما المرحلة الثالثة - وهي مرحلة الانشاء -: فقد يدعى عدم التضاد بين الاحكام فيها، لان الانشاء خفيف المؤنة، فيمكن ان يتحقق انشاء جميع الاحكام لفعل واحد في آن واحد.
ولكنها دعوى باطلة، والذي نراه امتناع انشاء الحكمين على موضوع واحد بيان ذلك: ان في حقيقة الانشاء أقوالا أربعة - كما تقدم -:
الأول: وهو المشهور، انه ايجاد المعنى باللفظ، أو استعمال اللفظ في المعنى بقصد التسبيب إلى تحقق الاعتبار العقلائي، فلا يتحقق بدون القصد، نظير التعظيم الذي لا يتحقق من دون قصده، كما لا يتحقق بما لا يترتب عليه الاعتبار