قبيل السواد والبياض. ومن الواضح استحالة اجتماعهما في واحد. ولكن هذه الدعوى لا دليل عليها، إذ لا دليل على كون المصلحة والمفسدة من قبيل المتضادين، بل يكذبها الوجدان، إذ نرى ان كثيرا من الأفعال يترتب عليها مصلحة ومفسدة والوقوع دليل الامكان.
ولكن الحق هو وقوع التضاد في هذه المرحلة ببيان: ان المراد بالمصلحة والمفسدة ليس ذات المصلحة وذات المفسدة بل المراد بهما المصلحة التي تصير منشاء لإرادة الفعل والمفسدة التي تصير منشاء لكراهته، وهما بهذه الكيفية لا يجتمعان في فعل واحد، لان المصلحة التي تصير منشاء للإرادة مع وجود المفسدة هي المصلحة الغالبة على المفسدة بعد ملاحظة حصول الكسر والانكسار فيما بينهما، والمفسدة التي تصير منشاء للكراهة مع وجود المصلحة هي المفسدة الغالبة على المصحلة بعد ملاحظة حصول الكسر والانكسار فيما بينهما أيضا. ومن الواضح جدا امتناع اجتماع المصلحة الغالبة والمفسدة الغالبة في شئ واحد، فان ذلك يرجع إلى اجتماع الغالبية والمغلوبية في شئ واحد، وهو محال، فإما ان يغلب جانب المصلحة أو يغلب جانب المفسدة وهو ظاهر بمراجعة الوجدان. فالتضاد من حيث المبدأ بمعنى المصلحة والمفسدة ثابت.
واما المرحلة الثانية: - وهي مرحلة الإرادة والكراهة -: فقد تصدى المحقق الأصفهاني إلى بيان عدم تحقق التضاد بينهما، وانهما يمكن ان يتعلقا بأمر واحد ببيان فلسفي دقيق، محصله إلى: ان التضاد من صفات الأوصاف الخارجية العارضة للأمور العينية الخارجية كالسواد والبياض، وليست الإرادة والكراهة من الأوصاف الخارجية، بل من الصفات النفسانية العارضة لما هو موجود في النفس، فلا تضاد بينهما..
لا من ناحية موضوعهما وهو النفس، لان النفس من المجردات القابلة لاجتماع الحالات والكيفيات المختلفة في آن واحد، والشاهد على ذلك امكان