أنه بسوء سريرته وخبث باطنه؛ بحسب نقصانه واقتضاء استعداده ذاتا وإمكانا.
وإذا انتهى الأمر إليه يرتفع الإشكال، وينقطع السؤال ب " لم " فإن الذاتيات ضرورية الثبوت للذات، والسؤال عن أن الكافر لم اختار الكفر، والعاصي العصيان؟ كالسؤال عن أن الحمار لم يكون ناهقا، والإنسان ناطقا؟... إلى آخره (1).
وقد مر الكلام فيه سالفا (2) وملخص المقال (139): أن الظاهر وقوع الخلط في معنى الاختيار، وظن أن الفعل بمجرد كونه عن إرادة وعزم، موجب لصحة العقوبة أو المثوبة عليه، مع أن الأمر ليس كذلك؛ فإن الحيوانات أيضا لها عزم وإرادة، ويكون صدور الأفعال منها عن إرادة وعزم في مقابل صدورها عن الطبائع، مع أن العقوبة والمثوبة على أفعالها مما لا وجه لهما.
بل التحقيق: أن ما يوجب استحقاقهما عليهما عقلا إنما هو الاختيار، وهو عبارة عن تشخيص الخير وطلبه، وقد مر (4) أن الإنسان خلق من لطائف العوالم العلوية ولطائف العوالم السفلية، كما قال الله تعالى: (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) (5) والنطفة الأمشاج - أي المختلطة (6) - هي النطفة المعنوية والتخمير الإلهي من اللطائف العلوية والسفلية.
ولكل من اللطيفتين ميول إلى عالمها؛ فالإنسان باللطيفة العلوية يميل إلى العالم العلوي، ودار ثواب الله، ويتوجه إلى الحقائق الغيبية، وباللطيفة السفلية