وثانيا: أن ما أفاده في الشق الأول - من وقوع الفعل مبغوضا وعصيانا - بإطلاقه ممنوع؛ فإن الفعل الاختياري الذي يؤدي إلى المحرم اضطرارا، قد يكون مباحا، وقد يكون محرما.
وعلى أي حال: تارة يكون المكلف ملتفتا إلى تأديته إلى المحرم، وتارة لا يكون ملتفتا إليها.
فإن لم يكن ملتفتا إلى التأدية، وكان الفعل مباحا، فلا إشكال في عدم وقوع الفعل المضطر إليه عصيانا ومبغوضا، ولا معاقبا عليه، كما أنه لو كان الفعل محرما مع عدم الالتفات، لم يقع الفعل المضطر إليه محرما ومبغوضا، وإن كان الفعل الاختياري المؤدي إلى ذاك المحرم حراما ومبغوضا.
ولا فرق في ذلك بين الاضطرار العقلي والعادي العرفي، إلا أن العقلي منه مرفوع عقلا، والعرفي بدليل الرفع.
وإن كان ملتفتا إلى التأدية - سواء كان الفعل المؤدي إلى الحرام مباحا أو حراما - يأتي فيه النزاع الآتي.
وليعلم مقدمة: أن الفعل المضطر إليه اختيارا قد يكون واحدا معينا، كمن أوجد لنفسه مرضا فاضطر إلى شرب الخمر، وقد يكون أحد الفعلين. وعلى الثاني:
قد يكون الفعلان من سنخين من المحرم، وقد يكونان من سنخ واحد. وعلى الأول: تارة يكون أحدهما أهم من الآخر، كمن اضطر إلى شرب أحد إناءين:
أحدهما خمر، والآخر متنجس، وقد يكونان متساويين في الملاك. وعلى الثاني - أي ما إذا كانا من سنخ واحد -: تارة يكون أحدهما أكثر عددا، أو زمانا من الآخر، كمن اضطر إلى التصرف في المغصوب ساعة أو ساعتين، أو مرة أو مرتين، وفي المتساويين من حيث الأهمية يأتي احتمال الأكثرية من حيث العدد والزمان.
وحكم كل واحد من الصور معلوم عقلا.