بسوء اختيار المكلف أو لا.
وعلى الثاني فلا إشكال في أن الحرمة والعقوبة مرتفعان، وحينئذ لو كان له ملاك الوجوب لأثر في إيجابه أيضا، فيصير واجبا - كما لو لم يكن بحرام - وهذا مما لا كلام فيه.
وأما على الأول - بأن يختار ما يؤدي إلى الحرام لا محالة - فإن الخطاب بالزجر عنه وإن كان ساقطا، إلا أنه حيث يصدر عنه عصيانا لذلك الخطاب، ومبغوضا ومستحقا عليه العقاب، لا يصلح لأن يتعلق به الإيجاب بلا إشكال ولا ارتياب، وإنما الإشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام، كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار (1). انتهى.
وفيه أولا: أن ما أفاد في الصورة الثانية - من أن ملاك الوجوب يصير مؤثرا في إيجابه بعد ارتفاع الحرمة والعقوبة - منظور فيه، فإن المفروض أن ملاك الحرمة - أي المفسدة الكامنة في المتعلق - تكون أقوى من ملاك الوجوب، ومعه كيف يمكن فعلية الوجوب ولو مع ارتفاع خطاب الحرمة؟!
فإن المزاحم للوجوب هو غلبة ملاك الحرمة.
مثلا: أن الخمر مع كونه ذا مصلحة ومنفعة، لكن لما كانت مفسدته راجحة، وإثمه أكبر من نفعه، صار حراما؛ لغلبة الملاك، فلو فرضنا الاضطرار إلى شربه لمرض أو شبهه، وارتفع الخطاب لأجله، فلا يصير راجحا أو واجبا بمجرده.
نعم، لو حدث في ظرف الاضطرار مصلحة اخرى ملزمة وراجحة على المفسدة صار الفعل لا محالة واجبا، لكن هذا غير ما أفاده (رحمه الله).